محمـد الثريـــا يكتب.. ميسم الملك.!

 

 

صحيفة ((عدن الخبر)) مقالات

 

ميسم الملك !
ـــــــــــــــــــــ

 

 

(مات الملك ،عاش الملك) ؛ هذه العبارة لوحدها كفيلة بان تلخص لك ديدن الملوك في تعاملهم مع الأزمات الطارئة التي تهدد عروشهم وممالكهم..
لست هنا بصدد شرح مناسبة هذه العبارة فالكل يعلمها، عدا أني أود هنا فقط محاولة لفت إنتباه القارئ الى الامر الطارئ الذي ربما هدد بالفعل مصالح المملكة العربية السعودية،ذلك الامر الذي إستدعى معه تلك النزعة المفاجئة في تأكيد المملكة إيجادها حلا سياسيا عاجلا ينهي الأزمة اليمنية..

إذ يبدو أن الإشارات التي ألتقطها الرادار السعودي حول قرب مغادرة إدارة ترامب للبيت الابيض وفشلها المتوقع في الانتخابات الرئاسية القادمة قد باتت مؤكدة؛ وبما ان حالة الوئام تبدو شبه منعدمة مع الديمقراطيين التواقين للعودة الى سدة الحكم، وهم بالمناسبة اؤلئك الديمقراطيون أنفسهم الذين يحملون الغبن والظغينة تجاه الدعم السعودي السخي لحملة ترامب إبان الانتخابات الرئاسية الماضية والتي خسر خلالها الديمقراطيون يومئذ سباق الرئاسة وكرسي الحكم.

هنا أيقن القادة السعوديون انهم سيفقدون غطاء سياسيا دوليا هو الاهم بالنسبة لدولة تعاني الكثير من الاخفاقات والتهديدات المحيطة بها؛ ناهيك عن كون تلك الادارة الاميركية هي المهندس والمتعهد لمعظم علاقات المملكة بالمنظمات الدولية وعلى رأسها الامم المتحدة.

قطعا ليست هذه الخسارة المتوقعة هي الدافع الوحيد لتنشيط الدبلوماسية السعودية في إستشعار الاخطار المحدقة ببلدها،فثمة ما هو بذات الاهمية تلك ايضا!انه تنامي الدور الايراني في المنطقة وضراوة أدواته التي باتت تهدد فعليا مصالح المملكة ونفوذها الطامح.

كانت قد دفعت حالة الإمتعاض الاممية عبر إيحاءاتها المتكررة تجاه عجز دول التحالف طيلة اعوام الحرب وفشلها في إنهاء ملف الازمة اليمنية الموكل اليها بنجاح الى إثارة حفيظة هذه الدول، لتتولد بعدها كما يبدو القناعة لدى قادتها في ضرورة البحث سريعا عن حل للخروج من هذا التصور الاممي الغاتم حولها.

وفي ظل التماسك الحوثي وتماهي قوى تابعة للشرعية اليمنية معه، بدى ان وضع الشمال هنا غير قابل لتحقيق اي خرق او تغيير حقيقي، لذا ستتجه انظار دول التحالف الى الجنوب المحرر وكيفية الاستفادة هناك من صنع حبكة سياسية عسكرية تستلزم تدخلا حاسما فيه ومن ثم تعديلا مقبولا في خارطته السياسية الحالية يتخللها تبادل أدوار وإعادة تموضع وما الى ذلك من بهارات تلك الحبكة ، وحينئذا يكون المشهد قد اكتمل ونضج واستطاعت دول التحالف هنا تسويقها حلا سياسيا او بالاصح إنتصارا دبلوماسيا يؤكد مجددا جدارتها إدراة ملف هذه الازمة .

وفي الحقيقة فان مكاسب دولتي السعودية والامارات عبر إتفاق الرياض كثيرة فبالإضافة الى المكسب الذي ذكرت آنفا فانهما ايضا وبعد ان حسمتا المشهد جنوبا ستكونان يومها بالفعل قد جعلتا منه ايضا منطلقا حقيقيا بغية تحقيقهما نصرا منتظرا في الشمال عبر نقل المعركة اليه فعليا وليس شكليا كما عهدته سنوات الحرب المنصرمة، هذا طبعا ان لم نسمع قبلها عن إمكانية تقديم الحل السلمي هناك خاصة في ظل حديث سعودي اليوم عن وجود قناة تواصل لهم مع الحوثيين..

ـ بالعودة الى موضوع التعاطي السعودي مع المستجدات الخارجية الطارئة..
سنلاحظ ان تلك الحبكة او الاحداث جنوبا لم تستهو الاسرة الاممية كثيرا ولم تجلب ايضا الاهتمام الدولي المطلوب برغم ان المملكة قد إستطاعت فعلا جر أطرافها المتحاربة الى طاولة الحوار؛فما العمل إذن؟

ـ إستثمار هجمات أرامكو هو الحل !
لم يغب عن المتابع بدقة حينها ان هجمات أرامكو الغامضة وحادثة إغتيال الضابط السعودي في حضرموت والذي كان يحمل معلومات خاصة حول حقيقة تلك الهجمات، إضافة الى محدودية ضرر ذلك الهجوم وأثره على الاقتصاد السعودي والعالمي..
وكيف بدت جميعها عناوين لمشهد واحد وغريب؟

بيد انه أنتهى بتعاطف وتاييد دولي كبير أكد معه الاوروبيون حينها دعمهم لجهود المملكة وضرورة المضي بإنجاح حوار جدة المتوقف بل وإعتباره الارضية الممكنة لاي حل قادم .
إذن(عصفورين بحجر)! تجديد الثقة الاممية لمراحل قادمة وحشر الاعداء وخصوم الاقليم في زاوية التأفف الدولي.ناهيك عن شرعنة الوصاية والتأكيد على إعادة ضبط الاولويات في حرب اليمن من أولوية إنهاء الانقلاب وإعادة الشرعية رأسا الى البحث عن أرضيات ومشاريع تدعم الحرب على الانقلاب..شكرا أرامكو !!

ـ ألثمرة الأقرب !
أمام كل هذه التداخلات المحلية والمعطيات الدولية وإنعكاساتها عبر تلكم الجعجعة التي عاشتها أطراف الداخل الحليفة لدول التحالف سواء الشرعية او الانتقالي؛فان المشهد برمته بدى معقدا جدا للفهم ومستعصيا اكثر للحل!
لتبرز هنا الحاجة ملحة جدا امام الجميع في ضرورة اللجؤ والتسليم لما ترآه قيادة التحالف حلا مناسبا..

..ويبدو ان ما رأته القيادات السعودية والإماراتية مناسبا هو ما خطط أساسا ليراه المتصارعون في نهاية هذه الجلبة خيارا وحيدا وإجباريا والحديث هنا عن إتفاق الرياض الذي جاء أشبه بمسيم ملكي إنهى معه حالة المس السياسي في الجنوب حين أعلنت بنوده البدء بمرحلة جديدة هناك.

ـ فهل أستطاع السعوديون بذلك تطبيق الديدن الملكي في إدارة الأزمات بإحترافية عالية وتأكيد منهجية (مات الملك، عاش الملك) في سياسيات المملكة التفاعلية داخليا وخارجيا؟
..شخصيا اذا أفلحت المملكة في هكذا سياسة وهذا ما اتمناه وسعت لأن يكون إتفاق الرياض أولى ثمارها،ساكون ملتزما بعدها بتسمية اي مبادرة او جهد سعودي سياسي ب(ميسم الملك) .

– محمد الثريا – 9/11/2019

 

 

 

قد يعجبك ايضا