هل يمكن إنقاذ الاقتصاد دون إصلاح جذري للنظام السياسي؟
عدن الخبر
مقالات
صحيفة ((عدن الخبر)) كتب / انس علي باحنان :
تعيش البلاد لحظةً مفصلية من تاريخها السياسي والاقتصادي؛ لحظةً تتكشّف فيها الأزمة عن وجهها الحقيقي، وتتساقط فيها الأقنعة، وتظهر هشاشة البُنى الحاكمة، سواء على مستوى الأداء السياسي أو الاقتصادي. وفي خضمّ هذا المشهد المعقّد، تبرز إشكالية محورية تستحق التأمل العميق والطرح الجاد، ألا وهي: جدلية العلاقة بين الإصلاح السياسي والإصلاح الاقتصادي، وهل يمكن لأحدهما أن يتحقق دون الآخر؟
لا شكّ أنّ هذه العلاقة ليست علاقة تلازم عابر، بل هي ارتباط عضوي عميق، يشبه ترابط العماد بسقف البناء، أو اتصال الظل بالجسد. فكما لا يمكن أن يُشاد بناءٌ مستقرّ على أعمدة متآكلة، لا يُمكن أيضًا تصور نهوض اقتصادي في ظلّ نظام سياسي متهالك، تغوّلت فيه منظومات الفساد، واستشرت فيه المحاصصة، وتراجعت فيه معايير الكفاءة والمساءلة.
لقد أضحت المنظومة السياسية القائمة ـ بكل أسف ـ عائقًا حقيقيًا أمام أي مشروع إصلاحي، بل تحوّلت من أداة يُفترض بها التغيير إلى أداة لهدم ما تبقّى من الدولة، وتعميق الفوضى، وتوسيع دائرة الصراع. ولم يعد مستغربًا أن تُوأد أي مبادرة إصلاحية في مهدها، لأن أدوات التنفيذ باتت عاجزة، فاقدة للشرعية والأهلية.
من هذا المنطلق، فإنّ الحديث عن إصلاح اقتصادي قبل الشروع في إصلاح سياسي جذري، يُعدّ ضربًا من التمنّي، ومضيعةً للجهد والوقت. فالإصلاح الاقتصادي لا ينبغي أن يُساق في خطٍّ موازٍ للإصلاح السياسي، بل لا بدّ أن يأتي تالياً له، ونتاجًا طبيعيًا له.
ولعلّ من أبرز مظاهر الأزمة الراهنة، ما مثّله تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، الذي أُريد له أن يكون أداةً للمرحلة الانتقالية، فإذا به يتحوّل إلى خطيئة سياسية كبرى. فقد جاء بتشكيلة هجينة، وتناقضات بنيوية، وعجز واضح عن اتخاذ القرار أو تشكيل رؤية موحّدة، ليصبح بذلك أحد أبرز معوّقات التعافي، ومصدر شلل سياسي وارتباك مؤسسي دائم.
إنّ محاولة ترميم هذا الكيان من الداخل، أو ترقيع أزماته المزمنة، ما هي إلا عبثٌ سياسي، لا جدوى منه، ولا أفق له. فحين يُصاب الجسد بالداء العضال، لا تنفع العلاجات الموضعية، ولا يجدي البتر الجزئي. فالمرض قد استشرى، والبناء كله آيل للسقوط، ولا سبيل للنجاة إلا بإعادة تأسيس النظام من جذوره.
ومن هنا، تغدو ضرورة حلّ مجلس القيادة الرئاسي، ونقل صلاحياته إلى رئيس الحكومة ـ شريطة توفّر الإرادة السياسية والتمكين الفعلي ـ ضرورةً وطنيةً عاجلة، لا تحتمل التأجيل. إنها ليست مجرّد خطوة إدارية، بل قرار مفصلي لإنقاذ ما تبقّى من بنية الدولة، وفي مقدّمتها الاقتصاد الوطني الذي يتهاوى أمام أعين الجميع.
ندرك، بلا شك، أن التوازنات السياسية الداخلية والخارجية قد تشكّل عائقًا آنيًا أمام اتخاذ هذا القرار الصعب، ولكن المضي في المسار الخاطئ، والتأجيل المفرط، يفاقم الأزمة، وقد يقود إلى لحظة اللاعودة، حيث لا ينفع الندم، ولا يجدي الإصلاح.
وكما يُقال في المأثور الشعبي: “آخر الدواء الكيّ”، وإن كان الكيّ مؤلمًا، إلا أنه كثيرًا ما يكون الخيار الوحيد المتاح للشفاء، وإنقاذ الجسد من الموت المحتّم.
إنّ الوطن اليوم لا يحتمل مزيدًا من المراوغة، ولا مزيدًا من الهدر السياسي والاقتصادي. فكل لحظة تأخير تعني انهيارًا جديدًا، وخسارة لا تعوّض. وعليه، فإنّ حلّ مجلس القيادة الرئاسي، وتدشين مرحلة سياسية جديدة، هو القرار الصائب، وإن بدا صعبًا، وهو الخطوة الأولى نحو طريق التعافي، وإن طال المسير.
