مقال لـ القاضي أنيس جمعان عن حديث في مكارم الأخلاق الذي فقدناها !!
عدن الخبر
مقالات
صحيفة ((عدن الخبر)) كتب القاضي أنيس صالح جمعان :
*الأخلاق الكريمة مثل نبتة عَطِرة، جذورها في السماء، وأزهارها وثمارها تعطر الأرجاء، قد يدخل الإنسان قلوب الآخرين وعقولهم دون النّطق بكلمة واحدة، إذ تكفيه صفاته الكريمة وأخلاقه الحميدة عن أي أقوال أو أفعال يمكنه القيام بها، وهي بمثابة جواز السفر لكسب قلوب الآخرين، وكسب محبتهم ومودتهم وتعاطفهم، هي الرصيد الذي يجب الإحتفاظ به في تعاملنا مع الآخرين !!*
*إنَّ الأخلاق الحميدة تورث في نفس صاحبها الرحمة، والعدل، والأمانة، والصّدق، والإخلاص، والعفّة، والحياء، والتواضع، والكرم، والكثير من الأخلاق السامية التي لا غنى لنا عنها في حياتنا وتعاملاتنا اليوميّة، فهذه الأخلاق هي تهذيب للنفس والروح معاً، وهي التي تجلب السكينة والرّاحة النفسيّة والسرور في نفس صاحبها وكل مَن يتعامل معه !!*
*إنَّ أخلاقك الحَسَنة هي مَن تجذب الناس إليك حتى وإن لم يكونوا يعرفونك، فسمعتك الطيبة الحَسَنة هي التي تفوح كالعطر بين الناس، فهنيئاً لك يا صاحب الأخلاق الحَسَنة الكريمة العالية، فالجمال جمال الأخلاق وليس جمال المال والجاه، والوجه الحسن !!*
*إنَّ الأخلاق هي عنوان الشعوب والأمم، وقد حثت جميع الأديان السماويّة على التحلّي بالأخلاق الحسنة، وتشير الدراسات إن الأخلاق مغروسة فينا بالفطرة، تبدأ مع الإنسان منذ نعومة أظفاره، والطفل كالشجرة إن لم تهذبه تبقى أغصانه متفرقة مشتتة، فالأخلاق هي الأساس التي يتم البناء عليه لاحقاً، فهي نتاج التعليم الثقافي الذي نتلقاه من أهلنا أو أصدقائنا أو البيئة المحيطة بنا، فليس هناك أي معنى للحياة دون وجود أخلاقيات وضوابط نتعامل بها مع الأفراد من حولنا، وإذا نحن فرّطنا بأخلاقنا، فلا فرق بيننا وبين الحيوانات، والأخلاق هي قوام الدنيا، والأمم بأخلاقها فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا إلى غير رجعة، وهي معيار بقاء الأمم والحضارات، كما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:*
*إنّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيتْ*
*فإنْ همُ ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا*
*لقد حثنا الإسلام على مكارم الأخلاق، والتمسك بها في حياتنا، وذُكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية اقتداء بالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي هو أكمل البشر خلقاً لقول اللَّه عنه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).[القلم: 4]، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ و في روايةٍ (صالحَ) الأخلاقِ”.[فقد رواه البيهقي والبزار وغيرهما]، فبهذه الكلمات حدد الغاية من بعثته أنه يريد أن يتمم مكارم الأخلاق في نفوس أمته والناس أجمعين، حيث كانتِ العربُ قبل الإسلام تَتخلَّقُ ببعضٍ مِن محاسنِ الأخلاق.*
*إنَّ أزمة الأخلاق هي أزمتنا الحقيقية الذي نعيشها اليوم من شقاء وبؤس وفقر وجهل وألم وغيره، هو غياب الأخلاق عن حياتنا، من أسبابها أبتعادنا عن الدين، وقلة البرامج التوعوية والأنشطة التي تُعنى بالجانب الأخلاقي، وقلة التربية الخلقية في مناهج التعليم على كافة المستويات، لهذا فعلينا أن نولي الأخلاق عناية كبيرة في حياتنا، لكي ننهض مرة أخرى، ونسعى أن نكون في الوضع الذي يليق بالأمة الإسلامية التي صدّرت الحضارة إلى العالم كله، حينما كانت في كامل قوتها !!*
*نصيحة.. ما أحوجنا اليوم إلى عودة مكارم الأخلاق الذي فقدناها، ومتى فُقدت الأخلاق تفكك أفراد المجتمع، فمن لَانَت كلمته وجَبَت محبته، فأحسن عملك وخُلُقك في بيتك وعملك ومع أصدقائك ومع الآخرين، ولنا في رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة حسنة في تعامله مع كل من حوله بأخلاق حميدة ورفيعة، حيث قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا).[صحيح الترمدي]، وكان يدعو ربه أن يجمله به ويديمه عليه فكان من دعاء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللهمَّ كما حسَّنتَ خَلقي فحسِّنْ خُلُقي).[أحمد وصححه ابن حبان]، وكان يقول: (اللَّهمَّ اهدني لأحسنِ الأخلاقِ لا يَهدني لأحسنِها إلَّا أنتَ، وقني سيِّئَ الأعمال والأخلاق لا يقي سيئَها إلا أنتَ).[رواه مسلم].*
*خاتمة.. إنَّ مكارم الأخلاق ضرورة اجتماعية، وصارت عودتها مطلباً ملحاً، فارتقاء الأمم والشعوب مُناطٌ بالتزامها بالأخلاق الفاضلة الكريمة، لذا علينا التمسّك بالأخلاق الفاضلة لنحيا حياة سعيدة آمنة بعيداً عن المنغصات والهموم، وهي الأساس لكل شيء جميل، وهي الأساس لكل تعامل ناجح، فاحفظ أخلاقك سيحفظك اللَّه وستحفظ مكانتك بقلوب الآخرين وستسمو إلى العلياء، وصاحب الأخلاق الحَسَنة ستبقى سيرته عَطِرة فوّاحة حتى وإنَّ مات ودُفن، فأخلاقك الحَسَنة هي سيرتك وروحك الباقية بين الناس إلى الأبد، فقط كن ذو خُلُق عظيم ولا يهمّك كلام أحد، فأينما ذهبت وتواجدت ستتبعك سيرتك وأخلاقك الجميلة.. وهذا ما نسعى تحقيقه معاً بإذن اللَّه !!*