أعلان 300×250

رهان الحوثي الأخير: بين أوهام النصر وتفكك البنية الوطنية”

عدن الخبر

كتابات حرة

صحيفة ((عدن الخبر)) فضل حنتوس :

حين تبلغ المشاريع ذروتها في التوحش، وتنهار الأخلاق السياسية تحت ثقل الأطماع العقائدية، وتتجرد الحركات من شعاراتها لتتكشف حقيقتها كأدوات وظيفية في يد القوى الإقليمية، يبرز أمامنا المشهد الحوثي بكل ما يحمله من تشوه بنيوي، وعبثية وجود، وانفصام عن منطق الدولة والتاريخ، فمنذ اللحظة التي زُرع فيها هذا الكيان في خاصرة اليمن، لم يكن هدفه التحرير ولا السيادة ولا الاستقلال كما يدّعي، بل كان منذ ولادته القيصرية مشروعاً مستنسخاً في رحم الجغرافيا اليمنية، لخدمة مركز الثقل الطائفي الإيراني، وتحويل البلاد إلى منصة صاروخية تمارس فيها الميليشيا طقوس العبث، وترجم على مذبحها أحلام اليمنيين بدولة عادلة تحكمها المواطنة لا الولاية، فها هو الحوثي، بعد سنوات من القتل والتجنيد والنهب وتفكيك المجتمع، يقف اليوم أمام مرحلة الانكشاف الأكبر، بعدما تلقّت قياداته ضربات مركّزة أزالت الأقنعة وعرّت هشاشة البنية التي طالما حاول تغليفها بخطابات الصمود والانتصار، ليبقى له رهانٌ يتيم، هشٌّ، ومشحونٌ بالعبارات التآمرية والمزايدات المتكررة، عنوانه “العداء لأمريكا وإسرائيل”، وهو رهان فقد بريقه حتى لدى القاعدة الشعبية التي باتت تميز بين معركة الكرامة ومعركة الوهم، وتفهم جيداً أن من يبيعها الكلام لا يمنحها الخبز، ومن يرفع شعارات القدس يدفن أبناءها في جبهات عبثية لا علاقة لها بأي مقاومة حقيقية، فالحوثي اليوم لا يقاتل طائرات أمريكية فقط، بل يواجه نفاد الرصيد الاجتماعي، وانهيار الثقة في المشروع، وتآكل الولاء الداخلي، وتنامي الانشقاقات، وتوسع الحلقات الناقمة عليه من داخل الجغرافيا التي لطالما ظن أنها تحميه وتقاتل لأجله، والحق أن هذا الرهان الأخير ليس سوى مسرحية هزلية تُعاد فصولها كلما ضاق الخناق على الحوثي، ويشتد الطوق حول عنقه، لكنه ينسى أن العالم لم يعد يصدق تلك الأسطوانة المشروخة، ولا ينساق وراء من يوزع صكوك الوطنية من فوق منصة تحرق العلم الأمريكي بيد، وتتلقى التعليمات من الحرس الثوري باليد الأخرى، ومن يرفع شعار الموت لإسرائيل، لم تصب رصاصته جندي اسرائيلي واحد على الحدود بينما صواريخه المبرمجه التي أطلقها على مدن يمنية غير قابعة تحت سلطته في معركة إبادة مزدوجة، ذُبح فيها اليمني مرتين، مرة بيده ومرة بشعاراته، وإذا كانت الضربات الجوية الأمريكية قد كشفت هشاشة البنية العسكرية، فإن الانفجار الشعبي المرتقب سيكشف هشاشة البنية السياسية والاجتماعية، لأن الحوثي اليوم لم يعد لديه سوى وهم المعركة الخارجية لإخفاء حقيقة التصدع الداخلي، وكلما بالغ في رفع سقف الشعارات، فضح نفسه أكثر، وأكد أن ما يملكه ليس مشروعاً ولا قضية، بل لحظة فارغة يحاول ملؤها بخطابات جوفاء، وأن نزع سلاحه لن يحتاج بعد اليوم إلى معركة عسكرية، بقدر ما يحتاج إلى صحوة جماعية تنفض عن اليمنيين غبار الكذبة الكبرى التي اسمهها “أنصار الله”، فالحوثي لم يعد أنصاراً لأحد سوى لنفسه، ولم يبق من الله في مشروعه سوى ما يستخدمه للبطش والتضليل، والمفارقة المرّة أنه حتى في لحظة التحدي الوجودي هذه، لا يزال يراهن على الموت كوسيلة للحياة، بينما كل مؤشرات الأرض تؤكد أن السقوط قد بدأ بالفعل، وأن هذا الرهان الأخير لن ينقذه، بل سيسرّع زواله، وأن الشعوب التي صبرت على الخوف والقمع والجوع لن تصبر طويلاً على من يستهين بكرامتها تحت عباءة الطهورية الزائفة، وسينتهي الأمر كما انتهى مع كل الطغاة والمغامرين، حين يسقط آخر قناع، وتسقط معه آخر صرخة في خطبة لم يعد يصفق لها أحد

قد يعجبك ايضا