أعلان 300×250

رسالة من جبهة الحرب.. إلى بندر عدن.

عدن الخبر

مقالات

صحيفة ((عدن الخبر)) كتبه/ المحامية/ سارة سعيد
ماجستير القانون الجنائي – فرنسا :

إذا مُتّ… لا تصدّقوا كل شيء يقولوه عني.

لو طلعت أمي في التلفزيون وقالت لكم بصوت حزين: “كان يحلم بالشهادة، وكان دايما يقول: نموت نموت وتحيا عدن”، ما تصدقوها…

أنا عمري ما قلت كذا، أنا كنت أحب الحياة زيكم بالضبط، وكنت أتمنى أرجع لأسرتي، مش أروح للقبر. المذيعة اللي فاعله أحمر شفايف فاقع، هي اللي علّمت أمي تقول الكلام دا…

أما أصحابي اللي يحطوا صورتي على الجدران ويكتبوا عني شعر، فكلهم كذابين… أنا كنت أطلب منهم سلفة بسيطة وهم يتهربوا مني، واليوم يتظاهروا بالحزن كأننا كنا أخوة في السلاح!

وبالنسبة للقيادات اللي يتكلموا عني في اللقاءات والمؤتمرات حقهم، ويلبسوا بدلات غالية ويمدحوا “روحي وتضحياتي القتالية”، فما تصدقوهمش أبداً… البدلة اللي لابسها القائد اشتراها من فلوس الدعم اللي كانت مخصصة لي ولزملائي.

أولادهم عايشين في الخارج في راحة، أو يتسكعوا في الكافيهات والنوداي الليلية، بينما إحنا نحارب، نجوع، ونموت.

أما اللي يطلقوا الرصاص في الهواء في جنازتي، أنا اصلاً ما شفتهمش في أي جبهة قتال، فما يعرفوش معنى الخوف، ولا التراب، ولا البرد، ولا الجوع اللي كنا نعيشه.

أنا مش بطل زي ما يقولوا…

أنا حملت البندقية مش حباً للوطن، لكن عشان لقمة العيش، وعشان ما لقيتش طريق تاني أعيش منه.
البندقية كانت تغرينا زي ما المرأة تفتن الرجل…
تخلّي الواحد يحس إنه قوي حتى لو هو مكسور من داخله.

إذا مُتّ، سواء برصاصة، أو بقذيفة، أو من القهر…
صدقوا دمعة أمي وهي لوحدها، وكسرة أبوي اللي ما قدر يحمي ابنه، ودمعة حبيبتي اللي كنت أقول لها “أنا بخير” وأنا مش بخير.

لا تصدقوا اللي غنّوا باسم الوطن، الوطن اللي خلانا نموت عشان نعيش، بس ما قدر يوفّر لنا حتى مكان ندفن فيه.

سألت نفسي كتير: ليش الشهداء دايماً من الفقراء؟
ليش ما نسمعش عن ابن وزير او مسؤول مات؟ ليش بس إحنا اللي ندفع الثمن؟!

أنا آسف يا عدن… أنا ما متّ لأجلك، أنا متّ عشان كنت أشتي أعيش، بس ما لقيت وسيلة أعيش بها إلا وأنا ماسك سلاح.

بقلم المحامية سارة سعيد

قد يعجبك ايضا