التحدي الأيديولوجي للوصول إلى السلام في اليمن
في فبراير 2012 وقع زعيم جماعة الحوثي الوثيقة الفكرية التي تؤكد حصر الحكم في فئة معينة وهو ما يعيق مساعي السلام
عدن الخبر
اخبار وتقارير
صحيفة ((عدن الخبر)) صنعاء- محمد العياشي :
في خضم الجهود الدولية والمحلية التي بذلت وتبذل من أجل الوصول إلى السلام في اليمن، يبرز تساؤل محوري حول إمكانية تحقيق سلام في اليمن. حتى الآن مضت نحو عشر سنوات على العمل السياسي واللقاءات بين طرفي الصراع الرئيسيين، الحكومة المعترف بها دوليا وجماعة الحوثي (أنصار الله)، دون جدوى.
حسب مفكرون يمنيون تحدثوا للمشاهد في هذا الأمر فإن التفسير لهذه الفترة الزمنية التي مرت دون الوصول إلى نتيجة ملموسة في ملف السلام في اليمن يعود جذريا إلى التحدي الأيديولوجي الذي يعيق جهود السلام.
جماعة الحوثي (أنصار الله) هي جماعة دينية في اليمن قائمة على الفكر الشيعي الذي يجعل نظرية الحكم ثابت من ثوابت الدين وعقيدة أساسية في الإيمان. هذه العقيدة في نظرية الحكم عند جماعة الحوثي ثابتة في منهجية الجماعة ومنها الوثيقة الفكرية والثقافية التي وقعها زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي في 13 فبراير، 2012.
حسب المفكر الإسلامي المعروف، الدكتور محمد عمارة في كتابه عن السنة والشيعة الذي نشره بالاشتراك مع مفكر شيعي بارز، هو الدكتور أحمد الكاتب، فإن جميع الفرق الشيعية تجعل من نظرية الحكم دينيا وشانا سماويا. بينما الجماعات السنية تؤمن أن نظرية الحكم أمر اجتهادي متروك للأمة اختيار حاكمها بالشورى والبيعة.
الدكتور محمد عمارة: جميع الفرق الشيعية تجعل من نظرية الحكم دينيا وشانا سماويا. بينما الجماعات السنية تؤمن أن نظرية الحكم أمر اجتهادي متروك للأمة اختيار حاكمها بالشورى والبيعة.”
ويضيف الدكتور عمارة أن هذا الخلاف بين السنة والشيعة هو أس جميع الخلافات التي فشلت حتى الآن جميع محاولات التقريب بين الطائفتين.
تتجلى تبعات هذا الخلاف بوضوح في اليمن إذ يستمر الصراع في اليمن للعام العاشر، ووصل هذا الانقسام إلى جميع مناحي الحياة بما في ذلك التعليم، الصحة، الاقتصاد. إذ تسعى جماعة الحوثي إلى غرس هذه العقيدة في عقول الناشئة في اليمن بكل السبل وفي سبيل ذلك قامت بتغيير المناهج التعليمية لجميع الصفوف التعليمية.
في هذا السياق، تشير تصريحات بعض المتخصصين والسياسيين في أحاديث منفصلة مع “المشاهد” أن هذه العقيدة جعلت جماعة الحوثي تتبنى مواقف تتسم بالتحفظ تجاه المفاوضات، إذ تعتبر المفاوضات خدعة تاريخية. وبدلاً من السعي نحو التسويات السلمية، ترى هذه الجماعات أن العنف هو الوسيلة الأنجع لتحقيق أهدافها، مستندةً إلى أيديولوجيات تغذي مشاعر المظلومية وحقها المزعوم في الحكم. هذا الواقع يعكس أزمة متشابكة تتطلب وقفة جادة من جميع الأطراف لفهم الحقائق التاريخية والثقافية للتوصل إلى حلول فعالة تشمل كافة فئات المجتمع.
تبعات نظرية الحكم على المفاوضات
وفي هذا الجانب يقول الدكتور عمر ردمان، رئيس المنتدى السياسي للتنمية الديمقراطية، في حديث للمشاهد أن الجماعات الشيعية، ومن ضمنها جماعة الحوثي، تتبنى موقفاً سلبياً تجاه أي مفاوضات أو تحكيم، معتبرةً إياها خديعة تاريخية تُعزى إلى حادثة التحكيم بين الامام علي ومعاوية.
وأضاف ردمان ” أن هذه النظرة التاريخية هي التي تجعل الجماعات الشيعية تعتبر القوة العسكرية الطريقة الوحيدة لإنهاء صراعاتهم، مشيراً إلى أنه في حال اضطرت هذه الجماعات قبول التفاوض، فإنها تفعل ذلك كتكتيك لكسب الوقت، ولا ترى في تلك الطاولة إلا وسيلة للتمهيد للعودة إلى الحرب.”
يفسر ردمان أن المشكلة العميقة تكمن في تأويلاتهم لحوادث التاريخ، وأن جوهر موقفهم من التفاوض هو اعتبار الصراع مستنداً إلى الولاية، التي يرونها أصلاً من أصول الدين لا تقبل المساومة. واعتبر ردمان أن استنكارهم لثورة السادس والعشرين من سبتمبر وتحميلهم إياها مسؤولية الفوضى، ينطلق من اعتقادهم بأن الحق الإلهي في الحكم والولاية حصري في سلالتي الحسن والحسين حتى يوم القيامة.”
وفي هذا الإطار، يشير ردمان إلى أن دعوات السلام وجهود الحلول السياسية القائمة على المشاركة والمواطنة المتساوية والنهج الديمقراطي تُعتبر بالنسبة لهم خروجاً عن أصل الدين المتخيل في تراثهم الفكري والعقدي.
وهذا ما يشير إليه بكل وضوح، المفكر الإسلامي عمارة في كتابه عن السنة والشيعة: إذ يقول إن هذه العقيدة تصيغ الحياة للمجتمعات الشيعية وجدانيا، ثقافيا وتربويا على نحو تجعل من الفرد الشيعي مشحونا بالعداء ضد من يعتقدون أنهم “مغتصبي حقهم الإلهي في الحكم”.
تبرير العنف
وفي هذا الصدد يقول عادل الأحمدي، رئيس مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام، للمشاهد أن جذور العنف الذي يمارسه الحوثيون في اليمن ليست عشوائية، بل تستند إلى أسس عقدية وأيديولوجية.
موضحا أن “نظرية الاصطفاء العنصري التي يعتمدون عليها تجعل من العنف ضد المخالفين مبررًا دينيًا في أذهانهم.”
وأشار الأحمدي إلى “أن الحوثيين يغذون أتباعهم بمشاعر المظلومية التاريخية، مستغلين أحداثًا تاريخية مثل مقتل الحسين، لتبرير تقديم الموت كخيار مقدس في سبيل ما يسمونه “القضية”. كما أكد على استخدامهم الطقوس والشعارات التعبوية، مثل شعار “الموت لأمريكا وإسرائيل”، لزيادة مشاعر الكراهية والعنف في صفوف مجنديها، خاصة من الشباب.”
وأوضح الأحمدي أن هذه التعبئة تجعل من القتل وسيلة لتحقيق النصر في معركة يُعتبرونها مقدسة، معتمدين على نبوءات وشائعات دينية والتي تغذي لديهم مشهد إراقة الدماء وتبرر استمرار العنف.”
ويقول إن هذه العوامل تكرس سيطرة الحوثيين بالعنف والقوة، مما يجعل التفاوض معهم أو الوصول إلى تسوية سلمية أمرًا مستحيلًا، في ظل طبيعتهم الأيديولوجية العنيفة التي تستهدف اليمنيين وتؤدي إلى استمرار الحروب لتحقيق أهدافهم السلالية.”
تجريم العنصرية خطوة للسلام
بدوره الكاتب والصحفي همدان العلي يقول “أن أي جماعة تدَّعي حقًا سماويًا وترى نفسها مميزة عن بقية اليمنيين، تمثل حالة من العنصرية التي تؤدي إلى عدم الاستقرار وظلم المواطنين.”
همدان العلي: أن أي جماعة تدَّعي حقًا سماويًا وترى نفسها مميزة عن بقية اليمنيين، تمثل حالة من العنصرية التي تؤدي إلى عدم الاستقرار وظلم المواطنين.”
وفي حديثه للمشاهد يقول “أن الاعتقاد العنصري ينتج عنه قهر وانتهاكات جسيمة، حيث يرى الحوثيون أنهم موكلون من الله للسيطرة على رقاب اليمنيين وامتهان كرامتهم. واعتبر أن الحديث عن التعايش مع هذا الفكر غير منطقي، داعيًا كل اليمنيين إلى مقاومة العنصرية بجميع أشكالها، مشيرًا إلى أنها ليست رأيًا أو دينًا يجب احترامه”.
ويضيف “أن جماعة الحوثي تقوم بممارسات تتضمن سرقة ونهب وتفجير المنازل، إلى جانب تعذيب وسجن وقتل الأبرياء، مؤكدًا أن هذه الانتهاكات لمجرد أن هذه الجماعة تعتقد أنها مميزة وأن لها الحق في ممارسة تلك الجرائم بدوافع عنصرية.”
ويختم حديثه “بضرورة تجريم العنصرية في اليمن، مشيرًا إلى أن الشعوب التي عانت من العنصرية لم تنعم بالاستقرار إلا بعد اتخاذ خطوات جادة لمواجهتها.