على الخريطة لم أجد وطني الذي أبحث عنه
عدن الخبر
كتابات حرة
صحيفة ((عدن الخبر)) كتب احمد السيد عيدروس :
في إحدى المساءآت القديمة اشعلنا جذوة على قمة شبابنا الذي جرفته السنين ،
لم أدرك أن جذوة الطموح تلك التي تحترق امامي كانت تحرقنا معها ببطء ،
الآن و في هذا المساء البارد بدأت ذكرى قديمة تطوف في مخيلتي كأنها جزء من كابوس لحلم مزعج يستعد للعرض ،
قبل عقدين من الزمن كان هناك وطن على الخريطة لكن لم يكن له وجود في داخلي لم اعترف به ولم يعترف بي ، عاملته كأنه وطن غربة و عاملني كأجنبي وفي أحسن الأحوال كنت في نظره مواطن من الدرجة الثانية ،
الحقيقة أن هناك أخطاء حدثت لم يتجرأ أحد على تصحيحها وكأنها نصوص سماوية ،
في نشرات الأخبار أخبرونا أن العاصمة تم نقلها من الشواطئ الجنوبية إلى الهضبة الشمالية وأن العلم تم تغييره وان العملة تم استبدالها وان لهجتي لا يحق لها أن تُطبع على صفحات الكتب المدرسية ، كنت اشعر أن كتب التاريخ و الوطنية والجغرافيا التي تُدرس في المدارس لا تذكرني فلست موجود في المنهج كهوية عاشت على هذا التراب لآلآف السنين وكانهم أرادوا أن لا تعلم الأجيال القادمة بهويتنا و تناسوا أننا قدمنا وطن ودولة وشعب قرباناً وإيماناً منا بالفكر القومي العربي ،
وبغير وعي من قيادات الوطن الوليد في 1990 زرعوا نوعاً جديداً من الحقد نمى مع هذه الدولة الوليدة وكان اخطر من الحقد الطبقي والحقد المناطقي فقد كان هذا الحقد الجديد المزروع هو حقد الهوية وهذا النوع يلغي الآخر كلياً ،
كان الطموح الذي يتقد في صدورنا أنا وأبناء جيلي هو أن نعيد هويتنا التي طمست فعلياً وذُبحت من الوريد إلى الوريد في الوطن الجديد ،
كان هناك عمل ممنهج قامت به و اتحدت عليه كل القوى الفكرية والسياسية والعسكرية والقبلية في القسم الشمالي لدولة الوحدة ،
كنا في الجزء الجنوبي قد عشنا تجربة مريرة مع صراع الهويات ولم ننجوا منها حتى اليوم ،
لكننا ارتكبنا خطأ فادح وهو أننا لم نستحضر هويتنا الحقيقية بل كانت الهوية التي تغنينا بها هي هوية صدرها لنا المستعمر الأجنبي والرجعية العربية ،
وبعد أحداث توصف بالهمجية تخللتها عدة حروب أهلية تشكلت على إثرها عدد من الكنتونات الصغيرة وأخذت ترتسم على الخريطة كوطن وهوية جديدة ،
لا ادري ماذا أسمي هذا الوطن الممزق هوية وجغرافيا ،
الحقيقة المرة أني وأنا في منزلي أعيش في وطنين و دولتين و هويتين ،
كأنسان أشعر بالأسى فقد أفنيت نصف عمري أبحث عن وطن وحين وضعت الخريطة أمامي لم استطع العثور على وطني ،
هذه الدويلات و الكنتونات الصغيرة التي تتشكل بالاموال الخليجية لا تصلح لتسميتها وطن ولن اعتبر أي منها وطني .
كتبه احمد السيد عيدروس