قصة قصيرة الوزير الفاشل … الجزء الأول والثاني..
عدن الخبر
ثقافه وادب
صحيفة ((عدن الخبر)) كتب احمد السيد عيدروس :
في نهاية العام 1888 وفي أحدى القرى الريفية اليمنية الصغيرة كان يعيش بائس القمري كان فتىً انطوائي ليس له اصدقاء كان لايثق في أحد وهذا ناتج عن أزمة أسرية نفسية جاءت من تراكمات غير طبيعة لعيش أرسرته الفقيرة في مجتمع ينبذها إجتماعياً ،
وقد قال الأديب الروسي دوستويفسكي في روايته الشهيرة الجريمة والعقاب قال أن البشر يكرهون بعضهم لدوافع غريزية من أهمها أظهار التفوق النوعي الطبقي ،
وصنع وهم الفوارق ليس جديد في مجتمعاتنا الشرقية ، ما يربط بائس القمري برواية الجريمة والعقاب أنه يجسد شخصية صوفيا مارميلاردف تلك الفتاة الكبرى لذالك الرجل السكير و المضطرة لأعالة إخوتها الذين يفتك بهم الفقر ، قال دوستويفسكي عن هذه الفتاة أن الجمال ينقذ العالم وهنا يقصد جمال روحها لا جسدها الذي كانت تبيعه لإطعام عائلتها ، يقول دوستويفسكي في أول ليلة باعت صونيا مارميلاردف جسدها النحيل الجائع و وقعت في الرذيلة عادت إلى منزلها تحمل معها بعض الخبز و وضعتها أمام زوجة أبيها المصابة بالسل واخواتها من أبيها الصغار فانقضوا عليه ولم يسألوها من أين جاءت به أما هي فلم تأكل شيء وأغلقت على نفسها باب غرفتها ودخلت في نوبة من البكاء كان نحيبها وهي تبكي يصل إلى مسامع زوجة أبيها التي توقفت عن الأكل و بكت بحرقة على هذه المراهقة البائسة ،
وبالعودة إلى بطلنا بائس القمري فإنه كان مضطر لبيع و طنه ليطعم أسرته لدوافع وأزمة حدثت في طفولته وهذا فضيع جداً فقد تجاوز بائس القمري ما أقدمت عليه صونيا مارميلاردف بمراحل فتلك الفتاة باعت ما ظنت أنها تملكه لكن بائس القمري باع ما يعلم يقيناً أنه لا يملكه ولهذا فإننا نشعر بأن عقدة الكراهية للمجتمع رافقت بائس القمري طوال حياته فمنذ طفولته حتى وصل إلى سدة النفوذ كأحد المقربين من الملك ظل يكن الحقد على مجتمعه وظل يلوث حياتهم بكل قذارات العالم ويشرعن دخول هذه النفايات إلى بلاده .
الجزء الثاني الوزير الفاشل الجزء الثاني رحلة بائس القمري مع اليهودي عاموس إلى العاصمة .
أثناء ما كنتُ اكتبُ قصة الوزير الفاشل و حين كنت اسأل شخصيات القصة عن حيثيات و مناحي الأحداث كي أُدونها إذا بباب مكتبي يُفتح وإذا أنا بفتاةٍ روسية لا يتجاوز عمرها السابعة عشرة عرَّفت عن نفسها و قالت أنا صونيا مارميلادوف التي ربطت شخصية الوزير اليمني الفاشل بائس القمري بها في قصتك التي تكتبها ،
ثم بدأت ترفع صوتها و تصيح أيها العربي الجاهل كيف لك أن تزدري ما قمت به من تضحية فأنا أُطعم إخوتي الصغار و زوجة ابي المصابة بالسل وأنت تعلم أن أبي قد هجر البيت منذ ثلاث سنوات ولا أحد يعول أسرتي سواي بينما وزيركم الفاشل باع شرفه وهو يملك عشرات الهكتارات من الحقول الزراعية وما يوجد في باطنها ولديه آلآف الروبلات ( كانت تعتقد أن عملتنا المتداولة هي العملة الروسية ) ,
ثم أجهشت بالبكاء وقالت هل تعلم أني أُفكر في الانتحار كل ليلة ولكني أُشفق على إخوتي الصغار من سيرعاهم بعدي ، ( كانت تحدثني وهي لا تعلم أنها انتحرت بالفعل في الأول من شباط 1866 و قد وجدوها معلقة بحبل على جسر سان بطرسبرغ وقد شنقت نفسها ) ، لم أخبرها أنها بالفعل قد انتحرت وتركتها تروي قصتها ،
وقلتُ لها نحن العرب نزدري ما قمتي به فبيع الشرف جريمة في كل الشرائع الأرضية و تتفق على تحريمه كل النصوص السماوية أيتها الأخت صونيا مارميلادوف ،
كانت صونيا مارميلادوف تنظر إليَّ وكأنها تترجاني أن أشطب أسمها من القصة التي اكتبها فهي لا تحب أن يرد اسمها كعاهرة و يُقارن ما فعلته بما فعله هذا الوزير اليمني الفاشل الذي باع بلاده وشرفه وهذه جريمة تفوقُ جرائم البشرية جمعاء ،
فهذا الوزير كان سبباً في موت مئات الأطفال والنساء وكبار السن جراء بيعه للنفايات المسرطنة التي تدفقت على الأسواق بأمر منه على أنها عطور مستوردة ، …..
تنهدت صونيا مارميلادوف وقالت وهي تبتسم بالمناسبة إسمي هو صوفيا ولكن ذالك الغبي الذي ترجم إسمي إلى العربية لم ينتبه ثم ضحكت و ضحكتُ أنا وضحك الوزير الفاشل فانتبهت أني لم اصرف شخصية الوزير الفاشل فقلت له في حزم أخرج خارج المكتب وحين يأتي دورك سانادي عليك فامتعض و تجهم وجهه و تمتم بكلمات وهو خارج ،
ثم التفتُ أنا إلى صوفيا مارميلادوف وقلتُ لها هل انتي جائعة ، ( فأنا أعلم أن الشرطة الروسية حين انزلت جثتها من جسر سانت بطرسبرغ و شرحوا الجثة وجدو أن معدتها ملتصقة بجدار ظهرها فهي لم تتناول أي طعام منذ يومين على الأقل قبل أن تنتحر أي أنها انتحرت وهي جائعة ) ،
أخبرتها أن لدي بعض الخبز فأومأت برأسها نعم ، فخرجتُ وذهبتُ للمطبخ وكانت زوجتي تضع لي عشائي على الموقد حتى لا يبرُد فأنا أتناول عشائي بعد منتصف الليل دائماً فأخذته وعدت به إلى صوفيا مارميلادوف و ناولتها إياه وقلتُ لها تفضلي و اعتبريه بداية صداقة وتكفير عن ذنبي تجاهكِ و أني دونت اسمك بجوار إسم وزيرنا الفاشل بائس القمري ، فضحكت وكانت جميلة جداً ، فتألمتُ أنها ماتت وهي جائعة ولا زلنا حتى اليوم نُطلق عليها حين نقرأ رواية الجريمة والعقاب بالفتاة بائعة الهوى ولم نشعر يوماً بما مرت به صوفيا مارميلادوف من ألم وخوف وجوع ،
عفواً صوفيا مارميلادوف فقد كنتُ فعلاً عربياً جاهلاً ، أشعر الآن برقبة في البكاء على هذه الطفلة التي عانت وحيدة في العراء ثم قررت أن تُنهي حياتها لتشعر بالكرامة وتستعيد شرفها الذي سلبه منها الجوع ،
لم أكن أُريد أن تراني وأنا ابكي حتى أحافظ على كبريائها فقد كانت تُخاطبني بندية ، فخرجت من مكتبي وأغلقت الباب ورآئي وفي الردهة وجدت الوزير اليمني الفاشل بائس القمري ينتظر دوره ليروي حكايته في القصة و ذهابه مع تاجر الأواني المعدنية عاموس اليهودي الذي عرض على أسرة بائس القمري أن يأخذه معه إلى العاصمة ليكمل تعليمه و سيمنحه أيضاً راتباً شهرياً مقابل عمله معه وسيسعى لتقديمه للملك الذي يحتاج إلى من يهتم بوقود المصابيح التي تضيء طرق العاصمة و ازقتها الداخلية التي تحيط بقصر الملك ،
توقفت في الردهة وقلتُ للوزير الفاشل بائس القمري هل تعلم أن صوفيا مارميلادوف أشرف منك وأنك لا تساوي عقب حذاءها وأنها أيضاً أشجع منك يا حثالة البشرية ،
فقد واجهت صوفيا مارميلادوف صقيع سانت بطرسبرغ بثيابها البالية الرقيقة و أنهت حياتها كمقاتل سوماراي يأبى الأسر ، عليك اللعنة أيها الوزير الفاشل بائس القمري ، ليتك تفعل كما فعلت صوفيا مارميلادوف لعلنا نغفر لك تاريخك الأسود ، لكنني اعلم انك لن تجرؤ على الانتحار فأنت فاسدٌ وجبان ،
ثم عدت إلى مكتبي لأعتذر ثانيةً للفتاة الروسية صوفيا مارميلادوف لكني لم أجدها فقد رحلت وعادت إلى ضريحها لترقد بسلام ، ولكنني كنتُ سعيداً جداً فهي لن تنام الليلة جائعة فقد أخذت عشائي معها فذالك العشاء سوف يُعيد لها شيء من الثقة بالإنسانية التي فقدتها في حياتها …….
يتبع … بائس القمري يصل العاصمة ويسكن في منزل عاموس اليهودي .
كتبه احمد السيد عيدروس
