هل عقال (الحارات) من مأموري الضبط القضائي؟!
عدن الخبر
منوعات
صحيفة ((عدن الخبر)) المحامي والمستشار القانوني أيمن حسن مجلي – عضو اتحاد المحامين العرب :
*النصوص الدستورية والقانونية :*
➖➖➖
*▪️منظومة عقال الحارات إحدى الأشكال البدائية التي كان وما يزال يتخذها الحكام رديفاً (أمنياً) لحكمهم الاستبدادي في بعض البلدان المتخلفة ومنها اليمن، وقد جرى التطبيق في اليمن – بخلاف الدستور والقانون – على اعتبار عقال (الحارات) من مأموري الضبط القضائي، وبناءً على ذلك فقد مارس العقال المذكورون وما زالوا، بوسائل بدائية خارج إطار جهاز الدولة ونصوص القانون، وعلى نحو تعسفي ينطوي على فساد خطير وانتهاك مستديم لسيادة القانون ودولة المؤسسات الحديثة، وإضرار جسيم بالمواطنين، الصلاحيات الخطيرة المخولة لمأموري الضبط القضائي في المواد (99 ، 100 ، 101 ، 102) من قانون الإجراءات الجزائية رقم (13) لعام 1994م وغيرها من المواد في ذات القانون والقوانين الأخرى ذات العلاقة، الأمر الذي نجم عنه ويترتب عليه العديد من المفاسد والأضرار المعلومة للكافة التي تلحق، ولا تزال، المواطنين جراء هذا التطبيق اللامشروع لنص قانوني جرى تفسيره خلافاً لصريح ألفاظه ومدلولاته.*
*▪️وقد أدى تواتر هذا التطبيق الخاطئ إلى اعتقاد مغلوط لدى عدد من قضاة الحكم وأعضاء النيابة بأن القانون ينص على اعتبار (عقال الحارات) من مأموري الضبط القضائي.*
*▪️والمعلوم أن المواد (48 ، 52 ، 53) من الدستور قد نصت على الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين اليمنيين وغيرهم من المشمولين بالحماية الدستورية، فلا يجوز اتخاذ أي إجراء ماس بتلك الحقوق والحريات إلا طبقاً للقانون.*
*▪️أما المادة (84) من قانون الإجراءات الجزائية فتنص على أنه:*
*((يعتبر من مأموري الضبط القضائي في دوائر اختصاصهم :*
*أولاً : أعضاء النيابة العامة.*
*ثانياً : المحافظون.*
*ثالثاً : مديرو الأمن العام.*
*رابعاً : مديرو المديريات.*
*خامساً : ضباط الشرطة والأمن.*
*سادساً : رؤساء الحرس والأقسام ونقط الشرطة ومن يندبون للقيام بأعمال الضبط القضائي من غيرهم.*
*سابعاً : عقال القرى.*
*ثامناً : رؤساء المراكب البحرية والجوية.*
*تاسعاً : جميع الموظفين الذين يخولون صفة الضبطية القضائية بموجب القانون.*
*عاشراً : وأية جهة أخرى يوكل إليها الضبط القضائي بموجب قانون.)).*
*▪️ويتبين من خلال هذا النص أن (عقال الحارات) ليسوا من مأموري الضبط القضائي وإنما تلحق هذه الصفة بـ (عقال القرى)، ومعلوم الفرق بين هؤلاء وأولئك، ولا يجوز، من ثم، إلحاق (عقال الحارات) بـ (عقال القرى) وتوحيد الحكم بينهما، لأن صفة مأموري الضبط لا تكتسب إلا بموجب نص قانوني صريح طبقاً للفقرتين (تاسعاً) و (عاشراً) من المادة المشار إليها آنفاً، وليس ثمة قانون يعتبر (عاقل الحارة) مأمور ضبط قضائي، مما يؤكد انتفاء هذه الصفة عن (عقال الحارات)، إذ لا يمكن اكتساب هذه الصفة عن طريق القياس أو التعميم الإداري المخالف للقانون.*
*القيـــاس الباطـــل :*
➖➖➖➖➖
*▪️يوجد العديد من الشواهد والأدلة التي تؤكد بطلان قياس عقال (الحارات) على (عقال القرى) ومن ذلك أن المشرع عندما اعتبر على سبيل الاستثناء (عقال القرى) من مأموري الضبط إنما راعى في ذلك ظروف القرى اليمنية التي تخلو، في الغالب الأعم، من جهات إدارية عليا أو أقسام شرطة كونه يتعذر وضع قسم شرطة لكل قرية، فكان إضفاء صفة الضبط لعاقل القرية تفادياً لتحمل هذا العبء ودرءاً للأضرار التي قد تنشأ نتيجة تأخر أفراد الشرطة في اتخاذ الإجراءات اللازمة بصدد وقوع أي جريمة، وهذه المبررات تنتفي بالنسبة لـ (عقال الحارات) لأن كل حي أو منطقة داخل المدينة يوجد بها بعض الجهات الحكومية ذات العلاقة قسم شرطة يقوم أفراده والقائمين عليه من ذوي الاختصاص بأعمال الضبط القضائي، والقول بغير ذلك مؤداه الازدواجية في الاختصاص فضلاً عن خلق إمكانية رسمية للاستغناء عن رجال الشرطة (وحلول منظومة عقال الحارات البدائية الفاسدة محلهم)، وبالتالي فإن مهام (عقال الحارات) داخل المدن مقصورة على الأعمال الإدارية المنصوص عليها في قرارات تعيينهم واللوائح المنظمة لأعمالهم ولا يجوز، من ثم، أن تمتد هذه الأعمال لتشمل صلاحيات الضبطية القضائية.*
*شروط وصلاحيات مأموري الضبط القضائي :*
➖➖➖
*▪️المقرر قانوناً والمتواتر قضاءً كذا الإجماع الفقهي هو أن المشرع، قد افترض، حين قرر إضفاء صفة الضبط القضائي على أعضاء النيابة العامة والمحافظين ومديري الأمن وضباط الشرطة أو غيرهم ممن ورد ذكرهم على سبيل الحصر في نص المادة (84) من قانون الإجراءات الجزائية، توافر مستوى تعليمي معين ورتبة عسكرية معلومة (ملازم) والإلمام الكافي بنصوص الدستور والقوانين ذات الصلة.*
*▪️ذلك أن تصرفات وشخصية مأمور الضبط القضائي تعتبر من ضمانات التطبيق الصحيح للدستور والقانون في مجال حماية حريات وحقوق الناس الدستورية، والثابت بجلاء هو أن هذه الضمانة منعدمة لدى الغالبية العظمى من (عقال الحارات) لأن معظمهم، إن لم يكن كلهم، يخيم عليهم جهل مطبق بأحكام القوانين ذات العلاقة وعلى الأخص الجنائي منها، فضلاً عن أمية وفساد معظم العقال المذكورين مما يجعل توليهم صلاحيات مأموري الضبط القضائي خلافاً للقانون مؤداه إهدار كافة الضمانات والحقوق والحريات المكفولة دستورياً وقانوناً للمواطنين وكافة القاطنين أرض اليمن قاطبة.*
*▪️وقد تضمن قانون الإجراءات الجزائية اليمني وعدد آخر من القوانين في مختلف المجالات صلاحيات واسعة وخطيرة لمأموري الضبط القضائي يتحتم معها توافر شروط معينة فيهم لا يتوافر أي منها في (عقال الحارات).*
*أخطار الصفة غير المشروعة وآثارها :*
➖➖➖➖➖
*▪️إن من شأن اعتبار (عقال الحارات) من مأموري الضبط القضائي ليس إهدار الحريات وزعزعة الحقوق الدستورية وضياعها بسبب الجهل الذي يسيطر على معظم أفراد فئة العقال المذكورة والفساد الذي يسري في جنبات كافة تصرفاتهم وحسب، بل أيضاً انتفاء الشرعية عن كافة الإجراءات التي تتخذها سلطة الضبط أو سلطة التحقيق بناءً على أعمال الضبط القضائي التي يقوم بها، دون وجه حق، (عقال الحارات) وذلك لانعدام صفة القائم بها، وهذا بطبيعة الحال له الأثر السلبي الأكبر على مكافحة الجرائم وسيادة القانون وخاصة فيما يخص أعمال النيابة، باعتبارها ممثلة المجتمع في اقتضاء حقوقه والحفاظ عليها، مما يؤدي بدوره إلى فقدان الثقة في عمل سلطة الضبط وسلطة التحقيق والتي افترض المشرع في صفة ومؤهلات القائم بها أحد أهم الضمانات الكفيلة بصيانة الحقوق والحريات الدستورية وبتطبيق القانون واستقرار الحقوق.*
*واجب النائب العام :*
➖➖➖➖➖
*▪️تنص المادة (53/أ) من قانون السلطة القضائية على أنه:*
*((تتولى النيابة العامة عند مباشرتها لمهامها الصلاحيات المحددة لها وفقاً للقانون وبالأخص: 2- مراعاة تطبيق القانون.)).*
*▪️ويتبين من خلال هذا النص القانوني أن المشرع أناط، في المقام الأول، بالنيابة العامة مراعاة تطبيق القانون عند ممارستها للمهام والاختصاصات الموكلة إليها، ويدخل في هذا الإطار إصدار ما يلزم من تعليمات وتوجيهات وتعميمات تكفل تطبيق القانون وضمان الحقوق والحريات الدستورية للمواطنين وغيرهم من المكفولين بالحماية الدستورية والقانونية في اليمن.*
*▪️وبعد أن أوضحنا بجلاء أن اعتبار (عقال الحارات) من مأموري الضبط القضائي، ينطوي على مخالفة جسيمة للدستور والقانون وإهدار للحقوق والحريات، فإن ذلك يعد من أهم الأسباب التي تحتم على النائب العام وقف استمرارها وتدارك بعض آثارها عن طريق إصدار تعميم إلى كافة السلطات المختصة بعدم اعتبار (عقال الحارات) من مأموري الضبط القضائي وعدم التعامل معهم بهذه الصفة وذلك نزولاً عند حكم القانون بما يكفل الحفاظ على الحقوق الدستورية والقانونية للمواطنين وحمايتها من أي انتهاك أو مساس بها.*
*▪️إن المطلوب حضارياً هو إلغاء هذه المنظومة البدائية وحتى يتم ذلك فإن الواجبين الدستوري والقانوني يحتمان على النائب العام سرعة إصدار تعميم إلى كافة الجهات ذات العلاقة ينص على ما يلي:*
*1- أن عقال الحارات ليسوا من مأموري الضبط القضائي الذين شملتهم في المادة (84) من قانون الإجراءات الجزائية.*
*2- أن الذين نصت عليهم الفقرة (سابعاً) بالمادة (84) من قانون الإجراءات الجزائية من مأموري الضبط القضائي هم (عقال القرى) فقط وليس (عقال الحارات).*
*3- عدم التعامل مع (عقال الحارات) باعتبارهم من مأموري الضبط القضائي.*
*4- إعادة النظر في كافة الإجراءات المنظورة أمام الجهات الأمنية وغيرها كذا النيابة العامة (في حدود الممكن والضروري) إذا كانت الإجراءات التي تمت قائمة على أساس اعتبار (عقال الحارات) من مأموري الضبط القضائي.*
*▪️وأخيراً منع توزيع إسطوانات الغاز بواسطة (عقال الحارات) لما يشكله ذلك من فساد وحتى لا يستمر المواطن ضحية لهم ويعيش تحت رحمتهم.*
———————–
*▪️تم النشر في مدونة القاضي أنيس جمعـان للدراسات والأبحاث القانونية في facebook بتاريخ 26 أغسطس 2023م*
*==========*