التمييز العنصري في اليمن (فئة المهمشين نموذجاً)
عدن الخبر
منوعات
صحيفة ((عدن الخبر)) إعداد القاضي أنيس صالح جمعان :
في اليمن تتجدد ثقافة التمييز العنصري وخاصة مع فئة المهمشين بشكل كبير في الواقع العملي، مع إنها تتنافى مع أحكام الدين الإسلامي ومبادئه السمحة، ومع القيم الإنسانية والعدالة الإجتماعية، وفطرة الخلق المتساوية لجميع البشر، وقد حارب الإسلام ظاهرة العنصرية وجعلها آية من آياته في القرآن الكريم، فإن اللَّه تعالى جعل التفاضل الحقيقي الذي يتفاوت الناس به في مكانتهم عند اللَّه تعالى جعله بالتقوى فجعل أتقاهم أكرمهم، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).[الحجرات: الآية 13].
إن الإسلام الحنيف وهو دين الحق والهداية، والمحبة والسلام، أكد على ضرورة تحقيق مبدأ العمل بالمساواة بين البشر الذي لم تفرق بين الأبيض والأسود إلا بالتقوى والعمل الصالح، وقد نصر الإسلام المستضعغين وأمر بنصرهم كما جاء في حديث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ).[رواه الإمام أحمد، وأبو داود والترمذي والنسائي]، ومن المبادئ التي انطوت عليها خطبة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع إن الإنسانية كانت متساوية القيمة فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، أَبَلَّغْتُ ؟ قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ).[رواه أحمد].
إن الدستور اليمني كان واضحاً في أحكامه ومبادئه بإن اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ اﻟﻴﻤﻨﻲ يقوم على أساس اﻟﺘﻀﺎمن اﻻجتماﻋﻲ اﻟﻘﺎئم على العدل، وأعتبر كافة فئات المجتمع متساوية الحقوق والواجبات دون تمييز حيث نصت المادة (24) من الدستور أن (تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وتصدر القوانين لتحقيق ذلك)، ونصت المادة (25): أن (يقوم المجتمع اليمني على أساس التضامن الاجتماعي القائم على العدل والحرية والمساواة وفقا للقانون)، ونصت المادة (41) بأن (المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة)، لكن في الواقع للأسف هذه الأحكام والمبادئ الذي يستنذ عليها الدستور بعيدة عن التطبيق العملي، وذلك بسبب تركيبة المجتمع اليمني القبلية وخاصة في الشمال الذي يتميز بتركيبة معقدة لازالت حتى اليوم وفقاً لنظام طبقي عنصري جهوي، فالمجتمع هناك مقسم إلى عدة طبقات في المرتبة الأولى السادة ومن ثم المشائخ ومن ثم القضاة ومن ثم المزاينة ومن ثم فئة المهمشين التي تقع في الدرجة الأسفل، والذي يطلق عليهم مصطلح (الأخدام)، بينما نجد هذه التركيبة الطبقية قد تخلصت في الجنوب بعد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، حيث أتاحت الدولة للفئة المهمشة حق التعليم وقد وصل بعضهم العمل في الوظائف العليا في السلك المدني والعسكري ومنحهم السكن الصحي، وقد تقلصت بعض هذه الحقوق للفئة المهمشة في الجنوب بعد الوحدة، لكن بأفضلية أفضل من مناطق محافظات الشمال.
ومن خلال مطالعتنا لبعض الأستطلاعات الأعلامية تبين إن هناك أكثر من ثلاثة ملايين في اليمن من فئة المهمشين يتعرضون اليوم للتمييز العنصري التعسفي في مختلف جوانب الحياة المختلفة، ويتمثل ذلك في التنمر عليهم، والتحقير اللفظي، وحرمانهم من التعليم، والتطبيب، ومن أي دور سياسي أو أجتماعي وغيره، وينحصر عملهم حالياً في تنظيف الشوارع والبيارات والحمامات وغيرها من الأعمال المتدنية بأجور بسيطة لا تفي إحتياجاتهم المعيشية مع غلاء الأسعار المتنامي، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى إنتشار الجريمة بين أوساطهم.
في مؤتمر الحوار الوطني الذي أنعقد في العاصمة صنعاء خلال الفترة من 18 مارس 2013م – 25 يناير 2014م الذي تطلع الشعب اليمنى عليه آمال كبيرة في إخراج اليمن من أزمته السياسيه، كون مخرجاته كانت ستشكل عقداً إجتماعي جديد قد أجمع عليه اليمنيين لبناء دولة النظام والقانون على أسس العدالة الإجتماعية المتساوية بين أبناء الشعب، وكانت بموجبه ستجري تعديلات دستورية في شكل النظام السياسي والقانوني، وكان من مخرجاته تخصيص 10% من المهمشين من الوظائف الحكومية للمهمشين، لكن خاب أمل الشعب اليمني بشكل عام من تحقيق ذلك بالإنقلاب على الشرعية الدستورية.
التوصيات :
————–
(1) يتوجب على الدولة العمل على نبذ التمييز العنصري في المجتمع اليمني وذلك بموجب مصادقتها على عدد من المواثيق والأتفاقيات الدولية منها الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصرية المصادق عليها من اليمن بتاريخ 18/ 10/ 1972م، والتي بموجب هذه الاتفاقية تلتزم الدول الأطراف فيها بشجب التمييز العنصري وتتعهد بأن تنتهج بكل الوسائل المناسبة دون أي تأخير سياسة القضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تمت المصادقة عليه من قبل اليمن بتاريخ 9/ 2/ 1978م، والذي بموجبه تتعهد الدول الأطراف باحترام الحقوق فيما يتعلق بالجانبين السياسي والمدني وكفالتها لجميع الأفراد دون تمييز، وكذلك المصادقة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 29/ 9/ 1994م والتي ينص بموجبه تتفق الدول على حق كل إنسان بالتمتع بكافة الحقوق والحريات دون أي تمييز، وبموجب هذه الإتفاقيات والعهد الدولي على الدولة العمل بوضع إسترايجية وطنية لنبذ التمييز العنصري في اليمن وخاصة لفئة المهمشين فيها، وذلك بإذماجهم في المجتمع، وتحفيزهم على التعليم، وتشجيع أطفالهم للإلتحاق بالفصول الدراسية، وتقديم الرعاية الصحية، والقيام بتثقيفهم حتى يتم تمكينهم لتغيير السلوكيات الخاطئة والسلبية من قبلهم، والعمل على وضع نصوص قانونية تعاقب أي سلوكيات خاطئة تمارس ضدهم، والعمل على أشراكهم في الوظائف المدنية و العسكرية وتأهيلهم وخاصة فئة الشباب منهم وفقاً لمبدأ المواطنة المتساوية، والعمل على نبذ العنصرية كونها تمزق نسيج المجتمع.
(2) يتوجب على منظمات المجتمع المدني في اليمن في تبني الدفاع عن فئات المهمشين من التمييز العنصري، وتحريك الوعي المجتمعي في الكشف عن أي سلوكيات شاذة أو إنتهاكات ومقاومتها وكشف عيوبها، والعمل أيضاً عبر وسائل الأعلام المرئي والمسموع والمقروء (المطبوع)، ووسائل التوا صل الاجتماعي المختلفة (الواتساب، الفيسبوك، تويتر) وغيرها للتوضيح على مخاطر التمييز العنصري تجاهم، وخاصة أمام الجيل الجديد من الشباب وأعطائهم رسائل أيجابية في توجيهم بأن فئة المهمشين هم جزء من المجتمع.
————————–
مداخلة قدمت بتاريخ 2024/4/3م في الندوة التفاعلية تحت عنوان موجهات آليات الحماية والأحالة والخدمات لقضايا العنف القائم على التمييز العنصري للمجتمعات المهمشة والضعيفة وفقا للاتفاقية الدولية لمناهضة كافة أشكال التمييز العنصري نضمتها جمعية شباب الأحياء الشعبية والتنموية وبالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة السامية لحقوق الأنسان في اليمن.
مقدم المداخله :
القاضي أنيس صالح جمعان – محامي عام أول في النيابة العامة – كاتب و باحث قانوني
————————–
▪️تم النشر في مدونة القاضي أنيس جمعـان للدراسات والأبحاث القانونية في facebook بتاريخ 4 أبرايل 2024م
=============