نداء الأرض الثلوج أصبحت عملة نادرة جراء احترار الكوكب.. ما أثر ذلك على الناس وهل من حلول؟
عدن الخبر
منوعات
صحيفة ((عدن الخبر)) وكالات :
تعرّضت مساحات شاسعة من الولايات المتحدة لعواصف قوية، من بينها عواصف ثلجية غطت أجزاء من الغرب الأوسط وشمال شرق البلاد بالثلوج. لكن ثمّة خطب ما: فالعديد من الولايات التي اعتادت على فصول الشتاء البيضاء تشهد تساقط أمطار أكثر من الثلوج راهنًا.
وأظهرت دراسة جديدة نُشرت في مجلة Nature، الأربعاء، أنّ أزمة المناخ التي يسبّبها الإنسان أدّت إلى تقليل كثافة الثلوج في معظم أجزاء النصف الشمالي من الكرة الأرضية على مدى الأربعين عامًا الماضية، ما يهدّد موارد المياه الحيوية لملايين الأشخاص.
قد يبدو منطقيًا أنّ العالم الأكثر دفئًا سيكون أقل ملاءمة للثلوج، لكنّ العلاقة بين الثلوج وتغيّر المناخ معقّدة، وقد ناضل العلماء لسنوات عديدة من أجل إيجاد صلة واضحة بين الإثنين.
فجزء من المشكلة مردّه إلى صعوبة قياس تساقط الثلوج بدقّة، كما أعطت البيانات العلمية المستمدة من عمليات الرصد الأرضية والأقمار الصناعية والنماذج المناخية، إشارات متناقضة حول الدور الذي يلعبه تغيّر المناخ في انخفاض كتل الثلوج. وقد شهدت بعض المناطق المزيد من الثلوج في عالمنا الأكثر دفئًا.
النسبة المئوية للتغير بكتلة الثلوج الناجمة عن تغيّر المناخ في أحواض الأنهار بين عامي 1981 و2020. يشير اللون الأحمر إلى التراجع، والأزرق إلى الزيادة. زادت أكوام الثلوج في بعض تجمعات المياه الشمالية فيما أدى تغير المناخ لمزيد من تساقط الأمطار
لكن الدراسة الجديدة التي وضعها باحثون بكلية دارتموث، تقدم الصورة الشاملة. فقد تسبّب تغيّر المناخ بانخفاض كبير لتساقط الثلوج في شمال العالم منذ ثمانينيات القرن الماضي. وشهدت المناطق في جنوب غرب وشمال شرق الولايات المتحدة، وكذلك في وسط وشرق أوروبا، أشد الانخفاضات المتصلة بالاحترار العالمي، بنسبة تراوحت بين 10 و20% كل عقد.
وقال ألكسندر غوتليب، المؤلف الرئيسي للدراسة وطالب الدكتوراه بكلية دارتموث: “من الواضح جدًا أنّ تغيّر المناخ كان له آثارًا سلبية على الثلوج والمياه. وكل درجة إضافية من الاحترار ستؤدي إلى استنزاف جزء أكبر من موارد مياه الثلج لديك”.
قلة الثلوج تعني نقص في إمدادات المياه
ووجد الباحثون أنّ فقدان الثلوج يتسارع عندما يرتفع متوسّط درجات الحرارة في فصل الشتاء في موقع أعلى من 8 درجات مئوية تحت الصفر (حوالي 17 درجة فهرنهايت)، وهي نقطة يشيرون إليها باسم “منحدر فقدان الثلوج”. وبعد ذلك، يتسارع ذوبان الثلوج مع ارتفاع طفيف في درجات الحرارة.
وهذا الأمر ينعكس سلبًا على المجتمعات التي تعتمد على الثلج للحصول على المياه. فإن العديد من إمدادات المياه في العالم مهدّدة بالفعل بسبب تغير المناخ، وذلك بسبب موجات الجفاف والحرارة التي أصبحت أكثر تواتراً وشدة. ومع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وجدت الدراسة أن العديد من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية التي تعتمد على الثلوج، ستشهد زيادة في شحّ المياه خلال العقود القليلة المقبلة.
وأوضح جاستن مانكين، المؤلف الرئيسي للدراسة والأستاذ المساعد بمادة الجغرافيا في دارتموث : “عندما يكون لديك نظام ثلجي شتاءً، ويتحوّل إلى نظام يسيطر عليه المطر، تكون بوضع أشبه بامتلاك خزانات نصف ممتلئة، أو أقل”. وتابع: “ثم يصبح السؤال: حسنًا، هل سنشهد ربيعًا ممطرًا؟”، للتعويض عن سحب المياه من الأماكن الواقعة أسفل مجرى النهر.
كما قام الباحثون بفحص أحواض الأنهار لقياس مقدار انخفاض موارد مياه الثلوج. ووجدت الدراسة اتجاهًا نحو الانخفاض بكتل الثلوج في 82 من أصل 169 حوضًا نهريًا رئيسيًا في نصف الكرة الشمالي، ضمنًا نهر كولورادو في الولايات المتحدة، ونهر الدانوب في أوروبا، حيث أظهر 31 منها بوضوح بصمات تغيّر المناخ الذي يسبّبه الإنسان.
وأشار مانكين إلى أنّ “معظم سكان العالم يعيشون في أحواض أنهار على حافة السقوط من منحدر يتسارع فيه فقدان الثلوج، حيث كل درجة إضافية من الاحترار يعني خسارة أكبر للثلوج”.
وأضاف مانكين أنه للوصول إلى استنتاجاتهم، قام الباحثون بتحليل انخفاض كثافة الثلوج تحديدًا في مارس/ آذار بين عامي 1981 و2020، لأنه يوفر “ملخصًا مناسبًا لجميع الأحوال الجوية الشتوية”. وأشار إلى أن كمية الثلوج على الأرض في شهر مارس/ آذار تشير إلى ما كانت عليه ظروف الشتاء في ذلك الموسم قبل أن يذوب الربيع الثلجج الذي يتدفق في اتجاه مجرى النهر لتوفير المياه للمنازل والزراعة.
ولفت مانكين إلى أنّ “الكتلة الثلجية في شهر مارس/ آذار ترمز لكل ما حدث خلال فصل الشتاء، ونحن نختبر مدى حساسية هذا الإجراء”.
النسبة المئوية للتغير في الكتلة الثلجية الناجمة عن تغير المناخ في أحواض أنهار أمريكا الشمالية بين عامي 1981 و2020. يشير اللون الأحمر إلى التراجع والأزرق إلى الزيادة.
وقال مانكين إن السنوات المتعاقبة التي شهدت انخفاضًا في كثافة الثلوج في غرب الولايات المتحدة، أعطت فعليًا نظرة مسبقة لما يمكن أن تبدو عليه فصول الشتاء والربيع المستقبلية في أجزاء كثيرة من نصف الكرة الشمالي، بدءًا من نقص المياه غير المسبوق إلى تفاقم حرائق الغابات.
يساعد الثلج أيضًا على منع حرائق الغابات، أو يمكن أن يقلّل من شدتها. فبخلاف المطر الذي يمكن أن ينساب بسرعة، يذوب الثلج ببطء بمرور الوقت، ويمكن أن يوفر إطلاقًا بطيئًا ومستدامًا للمياه في التربة، ما يقلّل من احتمالية اشتعالها ويوفر وقودًا أقل لانتشار الحرائق.
كما أن انخفاض كثافة الثلوج يؤثر بشكل كبير على الأماكن التي تعتمد على الأنشطة الترفيهية الشتوية، مثل التزلج والتزلج على الجليد، كمحركات اقتصادية رئيسية. وتواجه العديد من منتجعات التزلج على الجليد في نصف الكرة الشمالي مثل هذه التحديات، حيث يعتمد الكثير منها الآن على مدافع الثلج لضمان وجود ما يكفي من الثلوج لاستمرار عمل الشركات. وتقترب بعض الأماكن من عتبات درجات الحرارة التي من شأنها أن تجعل حتى الثلوج المصنوعة آليًا غير قابلة للحياة.
وقالت منى همتي، عالمة أبحاث ما بعد الدكتوراه بكلية المناخ في جامعة كولومبيا، غير مشاركة في الدراسة، إن البحث قدم “أدلة دامغة” حول كيفية تأثير تغير المناخ الذي يسبّبه الإنسان على أنماط الثلوج.
وقالت همتي : “ما يجعل هذه الدراسة رائدة، مقاربتها في عزل آثار تغير المناخ الناتج عن النشاط البشري عن تقلبات المناخ الطبيعية. وتعد هذه الدراسة بمثابة تذكير حاسم بالآثار المتصاعدة لتغيّر المناخ، وضرورة اتخاذ إجراءات فورية ومتضافرة لمواجهة هذا التحدي العالمي”.
المصدر _سي ان ان.