قراءة في إتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران

287

عدن الخبر
عربية ودولية

صحيفة ((عدن الخبر)) تقرير – محمد مرشد عقابي :

أتفقت المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران، على عودة العلاقات الدبلوماسية وتبادل سفراء البلدين في غضون شهرين، وجرى هذا الاتفاق بدعم ورعاية من قبل جمهورية الصين الشعبية، وجاء في نص البيان الثلاثي ما يلي:

استجابة للمبادرة الجديرة لرئيس جمهورية الصين الشعبية “شي جين بينغ” في دعم توسيع العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الايرانية والمملكة العربية السعودية، وإنطلاقا من مبدأ حسن الجوار، وبحسب الاتفاق مع رئيسي البلدين على استضافة ودعم الحوار بينهما وكذلك لرغبة البلدين في حل الخلافات بالحوار والدبلوماسية القائمة على العلاقات الأخوية، وجدد البيان التأكيد على تمسك البلدين بمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة وميثاق منظمة التعاون الإسلامي والمبادئ والإجراءات الدولية لوفود جمهورية إيران الإسلامية برئاسة الأدميرال علي شمخاني ممثلاً لقائد الثورة الإسلامية في ايران وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي والمملكة العربية السعودية برئاسة مسعد بن محمد العيبان الوزير المستشار وعضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني، حيث التقيا وناقشا مع بعضهما البعض في بكين وخلال الفترة من 6 إلى 10 مارس آذار 2023، جملة من القضايا والمواضيع التي تهم البلدين”.

وأعربت السعودية وإيران، عن امتنانهما العميق للاشقاء في العراق وعمان لاستضافة المحادثات بينهما في الأعوام (2021 إلى 2022)، وشكروا جمهورية الصين الشعبية على استضافتها ودعمها المحادثات التي جرت في هذا البلد الآسيوي وجهود قيادته التي بذلت لإنجاحها، حيث تمخضت تلك المفاوضات عن اتفاق ينص على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات والقنصليات بين البلدين في غضون شهرين مقبلين، ووفقاً للبيان فإن وزيري خارجية البلدين سيجتمعان لتنفيذ هذا القرار واتخاذ الترتيبات اللازمة لتبادل السفراء، في تأكيد منهما على احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض، وهو ما يندرج في إطار تنفيذ اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بتاريخ 7/4/2001، وكذلك الاتفاقية العامة الاقتصادية والتجارية والاستثمار والتعاون الفني والعلمي والثقافي والرياضي والشبابي الموقعة، وأعلنت الدول الثلاث عزمها الحاسم على استخدام كل الجهود لتعزيز السلام والأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي.

على صعيد متصل، تحدثت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في تقرير لها عن قضية التقارب الإيراني السعودي الذي جاء بعد وساطة صينية، عقد على أساسها الاجتماع الأول بين الطرفين في بكين، واعتبر التقرير الأميركي أن عودة العلاقات الإيرانية السعودية، نتيجة للوساطة الصينية، هو خسارة كبيرة ومضاعفة للمصالح الأميركية، مضيفاً أنه يمكن أن يؤدي إعلان إيران والسعودية إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، إلى إعادة نظم كبيرة، كما اعتبرت الصحيفة أن هذا التقارب يمثل تحدياً جيوسياسياً للولايات المتحدة وانتصاراً للصين، التي توسطت في المحادثات بين الخصمين التاريخيين”.

ولفت التقرير إلى أن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين القوتين الإقليميتين يمثل على الأقل ذوباناً جزئياً في جليد الحرب الباردة، التي شكلت ملامح الشرق الأوسط منذ فترة، وأثارت أنباء الصفقة ولاسيما دور بكين في التوسط فيها، قلق صقور السياسة الخارجية في واشنطن، وقال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن تجديد العلاقات الإيرانية السعودية نتيجة للوساطة الصينية هو خسارة وخسارة وخسارة للمصالح الأميركية، مضيفاً إنها أظهرت أن السعودية تفتقر إلى الثقة بواشنطن، وأن إيران يمكن أن تعزل حلفاء الولايات المتحدة لتخفيف عزلتها، كما أشار تقرير الصحيفة إلى أن الصين أصبحت الراعي الرئيسي لسياسات القوة في الشرق الأوسط، مختتماً بأن هذا التقارب في العلاقات، يفترض أن يؤثر على اليمن والعراق وسوريا ولبنان، بشكل أساسي، وهي الملفات التي عرفت نزاعاً كبيراً بين إيران والسعودية في المقاربة السياسية تجاهها.

ولم تكن روسيا بعيداً عن هذا الاتفاق، حيث أفاد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في تصريح لـ RT بأن موسكو ساهمت في العملية السياسية جنباً إلى جنب مع دول أخرى مثل سلطنة عمان والعراق وغيرهما، وقال إنه زار البلدين مؤخراً، وكانت قضية التطبيع بينهما في جدول أعمال الزيارة، مضيفاً بإن عودة العلاقات تتماشى مع المبادرات الروسية الرامية إلى إنشاء منظومة للأمن في منطقة الخليج ذات الأهمية الاستثنائية على المستوى الاقتصادي العالمي، واصفاً التوصل إلى اتفاق بين السعودية وإيران بأنه إيجابي للغاية، ويأتي في سياق سياسة روسيا الداعية إلى حسن الجوار وضمان واحترام السيادة والاستقلال.

على الجانب الآخر، لم يتسم الرد الأميركي على الاتفاق بنفس درجة الحرارة والحماسة، حيث رحبت الولايات المتحدة باستئناف العلاقات الدبلوماسية، إلا أنها وفي الوقت نفسه أعربت عن شكوكها في احترام طهران لالتزاماتها، حيث أعلن الناطق باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي بأن واشنطن ترحب بالاتفاق، إلا أنه ينبغي رؤية ما إذا كانت إيران ستفي بالتزاماتها، وليس أدل من رد الرئيس الأميركي جو بايدن على سؤال للصحفيين بخصوص رأيه في الاتفاق بين السعودية وإيران، عندما تجاهل نهائياً السؤال المحدد، وأجاب بأهمية تطبيع وتقوية وتوسيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، مكتفياً بذلك، فيما جاءت تصريحات أميركية أخرى من عدد من المسؤولين بعدم الارتياح لهذا الاتفاق، وهو ما يكشف بحسب محللين بأن الولايات المتحدة وإسرائيل في أغلب الأحيان كانتا وراء معظم الخلافات بين دول منطقة الشرق الأوسط، وهما من وفرتا الأرض الخصبة دائماً للصراعات والتوترات بالترويج لنظريات ومسميات تخلق واقعاً يضمن الهيمنة الكاملة لأميركا على مقادير المنطقة، لتكون جبهة مساندة لها في مواجهة مسار الانتقال المنطقي والطبيعي إلى عالم التعددية القطبية، الذي تسير عليه روسيا والصين والهند ودول البريكس التي يزداد عدد الراغبين في الانضمام إليها في الفترة الأخيرة بشكل دائم.

ويرى محللين، بأن الاتفاق يأتي ليضع النقاط على الحروف بشأن نظرية الأمن في منطقة الخليج والشرق الأوسط بصفة عامة، لهذا فإن الإدارة الأميركية الحالية ومعها الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل يعيشان الآن مرحلة صعبة، أصبح من الممكن تسميتها بمرحلة الفشل والهزيمة، فيما يفلت الشرق الأوسط من بين أيديهما، وتصبح القواعد العسكرية الأميركية ومليارات الدولارات التي أنفقت على أمن الخليج والإملاءات وفرض المواقف بالمساعدات تارة وبالتهديد تارة أخرى أموراً من الماضي، كما إن عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وما سيتبعها من تطبيع للعلاقات الإيرانية مع باقي دول المنطقة، لهو فشل للرهان الأميركي الإسرائيلي على إحداث شرخ في العالم الإسلامي بين السنة والشيعة، وسيعزز سيادة جميع دول المنطقة وحقها الكامل في اختيار سياساتها، وهو ما سيشكل دعماً راسخاً لنضال الشعب الفلسطيني، والمضي نحو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية، وربما تفعيل دور الرباعية الدولية للتسوية في الشرق الأوسط، وكل ما يصب في مصلحة القضية الفلسطينية.

قد يعجبك ايضا