رسالة الجمعة “عند أبواب الجنة يزول كل تعب” للشيخ الفاضل محمد عبدالله سعيد

عدن الخبر
ثقافة وأدب

صحيفة “عدن الخبر” كتبها الشيخ محمد عبدالله سعيد :

الحمد لله ربّ العالمين، أعدّ لعباده المتقين جنات النعيم، وأكرمنا بمواسم الخيرات.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، عبدَ ربه حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله:
على أبواب الجنة، هناك فقط تتلاشى كل الهموم، تزول كل الأحزان، هناك تنقلب كل الموازين، ستغدو الآلام آمالًا، والأوجاع ترياقًا، ستحول الأتراح أفراحًا، ما كان بالأمس عجزًا وفاقةً، سيصير في تلك اللحظة وعلى عتبة بابها قوة وغِنى.
اخي تجول معي بخاطرك واسبح معي في خيالك، تصوَّر يوم أن تقف بفضل الله ورحمته على باب الجنة، نعم باب الجنة وأنت ترى النعيم لا كالنعيم، والجمال ليس كمثله جمال، وأنت تشتمُّ روائح ليس في الدنيا ما يُقارِبُها أو يُدانيها.

هناك فقط على باب الجنة تسمع أصواتًا لم يطرق سمعَك أندى منها ولا أعذب، على عتبة باب الجنة لن تنسى مرضك، ولن تنسى فقرك ولا حاجتك؛ بل ستنسى الدنيا بأسرها؛
هناك فقط على عتبة بابها تغيب آلام المرض وكأنَّ شيئًا لم يكن، ليبقى لك الجزاء وأي جزاء وعطاء!
هناك فقط على باب الجنة سترى نتيجة صبرك وعاقبته، على عتبة بابها سترتوي نفوس أهل الإيمان من نسيم هوائها العليل، ستعلم أن ثم نعم المنقلب يوم صبروا على الطاعة وكابدوا مشقة الثبات عليها، ستشاهدون يا أهل الصلاح والتدين عين اليقين،
ثمارَ فرارِكم من أوحال المعاصي، ونتاج أمركم بالحق وصبركم عليه، ونهيكم عن المنكر والغي وتحذيركم منه،
هناك ستتذكَّر أيَّامَك الخوالي وأنت تُجافي جنبك عن فراشك الوثير لتجيب داعي الفلاح: “الصلاةُ خيرٌ من النوم” هل تذكر جهادك لنفسك وأنت تترك الدنيا وملذَّاتِها لتقوم على راحة والديك، هل تذكر صيام النهار وقيام الليل؟ هل تذكرين صبرك على الحجاب والحشمة، هناك على أعتابها فقط يقال
ذهب النصب، وزال الجهد، وثبت الأجر بإذن الله.
هناك على بابها فقط ستصفو الصدور لا غِلَّ لا حسدَ، لا شحناء، لا بغضاء، قلوبكم كأفئدة الطير بيضاء نقيَّة يكسوها الحبُّ ويعلوها الإخاء وأنتم تسمعون أجمل خطاب في أرقِّ بشرى ﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ﴾
فذلك هو اليوم الأسعد
الذي طال انتظار أهل الإيمان له حين تبعث وترى الملائكة بانتظارها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
إنه اليوم السعيد عندما تطلق فيه صرخة الفرح ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾
إنه اليوم السعيد الذي ينتظرك وأنت تمشي ومن خلفك وترى ذريتك ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
يا الله، ما أسعد ذلك اليوم! وأنت تمشي في زمرة من رضي الله عنهم، يتقدَّمُهم حبيبُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ﴿ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
هناك فقط وفي ذلك اليوم السعيد ستتذكَّر ما كنت تتلو ﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾، هناك ستتلو مع أهل الإيمان ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
فلا يطُلْ بك العهد وانتظر الوعد، فو الله إنه قادم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( كلكم يدخل الجنة إلَّا مَنْ أبى))، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله، قال: ((مَنْ أطاعني دخل الجنة، ومَنْ عصاني فقد أبى))، يا ربِّي نسألك الجنة وما يُقرِّب إليها من قولٍ وعملٍ، ونعوذ بك من النار وما يُقرِّب إليها من قول وعمل، قلت ما سمعتم واستغفروا الله العظيم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :
الحمد لله الذي كتب علينا الصيام، وجعله سببًا من أسباب غفران الذنوب، وبابًا من أبواب الجنة (دارِ السلام)، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صاحب الحوض المورود، والدرجات العُلَى والمقامات العِظام، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه، صلاةً وسلامًا دائمين ما تعاقبت الليالي والأيام.

عباد الله :
دونكم أبواب الجنة فهلموا لها، ذُنُوبٌ تُغْفَرُ، وَعُيُوبٌ تُسْتَرُ، رَحَمَاتٌ مِنَ الْمَلِكِ الْغَفَّارِ، وَعِتْقٌ كُلَّ يَوْمٍ مِنَ النَّارِ، دُعَاءٌ مُجَابٌ، وَإِقْبَالٌ عَلَى الْخَيْرِ قَدْ طَابَ، حَسَنَاتٌ وَبَرَكَاتٌ، وَمَحْوٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَالْخَطِيئَاتِ. إِنَّهَا مَغَانِمُ تَتَطَلَّع لَهَا الْأَرْوَاحُ، وَتَغْمُرُ أَهْلَهَا بِالسُّرُورِ وَالْأَفْرَاحِ.
دونكم رمضان فهو شَهْرٌ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجِنَانِ، وتغلق أبواب النيران وتصفد فيه الشياطين والجان، فالغنيمة الغنيمة فإن أبواب الجنة فيه مفتحة.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ».
عباد الله:
ألا هل من مشمر للجنة في أيام معدودة على مقربة منا، لله فيه عتقاء من النار وذلك في كل ليلة، وفيها عشر ليالٍ مباركات عظيمات{والفجر وليالٍ عشر}، فيها ليلة خير من ألف شهر قال عنها ربنا ﴿ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾، إنه شهر الجود والكرم وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وفي رمضان كالريح المرسلة المطلقة التي يدوم هبوبها ويعم نفعها.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ). فجودوا فيه بأنواع العبادات وتعرضوا لنفحات فيه
فلقد كان عليه الصلاة والسلام أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ» يُكْثِرُ فِيهِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْإِحْسَانِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالِاعْتِكَافِ.
فهي أيام المنافسة والجود، نعم ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ جودوا فيه بالطعام و بمكارم الأخلاق ونشر المحبة والوئام، لتنالوا رضا الرحمن، وتدخلوا الجنة دار السلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وصلوا الأرحام، وَصَلُّوا بالليل وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ».
حافظوا على الصلوات المفروضة في أوقاتها، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه – قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ» قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وأكثروا من النوافل والطاعات، وصلاة التراويح وقيام الليل، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَلَاةَ.
أكثروا من قراءة القرآن وتدارسه في الليالي والأيام، فإن للقرآن مع رمضان طعم خاص.
القرآن يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه.

اخوتاه :
افتحوا صفحة جديدة مع الكريم المنان مهما كانت الذنوب والآثام فإنه جواد كريم.
قَالَ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا».
هذا وصلوا وسلموا على النذير البشير والسراج المنير كما أمركم بذلكم اللطيف الخبير فقال قولاً كريما (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
اللهُمَّ اجعلنا مُعظِّمين لأمرك، مؤتمرين به، واجعلنا مُعظِّمين لما نهيت عنه، منتهين عنه، اللهُمَّ أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك، اللهُمَّ أعِنَّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك، اللهُمَّ أعِنَّا على ذكرك وشُكْرك وحُسْن عبادتك.
اللهم بلغنا رمضان واجعلنا فيه من المقبولين والعتقاء من النار يا رب العالمين، اللهم اجعلنا فيمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً وبلغنا ليلة القدر واجعلنا فيمن قامها إيماناً واحتساباً، اللهم واعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار يا عزيز يا غفار.
اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا خذ بنواصيهم للبر والتقوى ووفقهم للعمل بما يرضى واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين والحمد لله رب العالمين.

قد يعجبك ايضا