رسالة الجمعة للشيخ الفاضل محمد عبدالله سعيد

عدن الخبر
كتابات حرة

صحيفة ((عدن الخبر)) كتبها الشيخ محمد عبدالله سعيد :

الحمدُ لله الذي بنعمته اهتدى المهتدون، وبعدله ضل الضَّالون، ولحكمه خضع العباد أجمعون، لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون، لا مانعَ لما وَهَب، ولا مُعْطيَ لما سَلَب، طاعتُهُ للعامِلِينَ أفْضلُ مُكْتَسب، وتَقْواه للمتقين أعْلَى نسَب… بقدرته تهبُّ الرياحُ ويسير الْغمام، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالِي والأيَّام… أحمدُهُ على جليلِ الصفاتِ وجميل الإِنعام، وأشكرُه شكرَ منْ طلب المزيدَ وَرَام، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله الَّذِي لا تحيطُ به العقولُ والأوهام، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه أفضَلُ الأنام، صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ السابق إلى الإِسلام، وعلى عمَرَ الَّذِي إذا رآه الشيطانُ هَام، وعلى عثمانَ الَّذِي جهَّزَ بمالِه جيشَ العُسْرةِ وأقام، وعلى عليٍّ الْبَحْرِ الخِضَمِّ والأسَدِ الضِّرْغَام، وعلى سائر آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإِحسانٍ على الدوام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فيا أيها الناس اتقوا الله -جل وعلا- وأطيعوه، تمسَّكُوا من الإسلام بالعروة الوثقى، وحقِّقُوا تقواه تنالوا السعادة الكبرى، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).

عِبَادَ اللَّهِ: مَا أَقْصَرَ أَعْمَارَنَا! وَمَا أَقَلَّ أَيَّامَنَا فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ.

مَا أَسْرَعَ الْأَيَّامَ فِي طَيِّنَا *** تَمْضِي عَلَيْنَا ثُمَّ تَمْضِي بِنَا

فِي كُلِّ يَوْمٍ أَمَلٌ قَدْ نَأَى *** مَرَامُهُ عَنْ أَجَلٍ قَدْ دَنَا

إِلَّا أنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- بِنَا أَنْ جَعَلَ لَنَا مَوَاسِمَ نَسْتَزِيدُ فِيهَا مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ؛ لِنُعَوِّضَ بِذَلِكَ قِصَرَ أَعْمَارِنَا، مِنْهَا شَهْرٌ مَغْفُولٌ عَنْهُ، نُنَبِّهُ الْيَوْمَ عَلَيْهِ؛ إِنَّهُ شَهْرُ شَعْبَانَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ عَظِيمٍ مُقَدِّمَةً تَسْبِقُهُ وَتُمَهِّدُ لَهُ، وَإِنَّ شَعْبَانَ مُقَدِّمَةٌ لِرُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ، إِنَّهُ رُكْنُ الصِّيَامِ، فَإِنَّ شَهْرَ شَعْبَانَ كَالْوَزِيرِ أَتَى مُمَهِّدًا الطَّرِيقَ لِلسُّلْطَانِ وَالْمَلِكِ الْكَبِيرِ؛ ذَاكَ هُوَ رَمَضَانُ.
يَقُولُ ابْنُ رَجَبٍ فِي “لَطَائِفِ الْمَعَارِفِ” عَنْ شَعْبَانَ: “صِيَامُهُ كَالتَّمْرِينِ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ؛ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى مَشَقَّةٍ وَكُلْفَةٍ، بَلْ قَدْ تَمَرَّنَ عَلَى الصِّيَامِ وَاعْتَادَهُ وَوَجَدَ بِصِيَامِ شَعْبَانَ قَبْلَهُ حَلَاوَةَ الصِّيَامِ وَلَذَّتَهُ، فَيَدْخُلُ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ”.
وَتَرْوِي أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ قَائِلَةً: “كَانَ أَحَبُّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانَ، بَلْ كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ”(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ)، يَقُولُ ابْنُ رَسْلَانَ شَارِحًا: “وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصِلُ صِيَامَ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ، لَكِنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ يُفْطِرُ؛ لِيَكُونَ فَاصِلًا بَيْنَهُمَا، كَمَا كَانَ يَصِلُ رَمَضَانَ بِمَا بَعْدَهُ غَيْرَ يَوْمِ الْعِيدِ لِقُرْبِهِمَا مِنْ رَمَضَانَ”.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ لِشَهْرِ شَعْبَانَ مَنْزِلَةً عَظِيمَةً، فَإِنَّهُ -كَمَا قُلْنَا- تَوْطِئَةٌ وَتَهْيِئَةٌ لِفَرِيضَةِ الصِّيَامِ، وَهُوَ أَيْضًا شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى اللَّهِ، فَقَدْ سَأَلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِلًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟! فَأَجَابَهُ: “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَقَدِ الْتَفَتَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ إِلَى فَضِيلَةٍ ثَالِثَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ فِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ”، فَقَالَ: “يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَمَّا اكْتَنَفَهُ شَهْرَانِ عَظِيمَانِ؛ الشَّهْرُ الْحَرَامُ وَشَهْرُ الصِّيَامِ اشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِمَا عَنْهُ؛ فَصَارَ مَغْفُولًا عَنْهُ”.
وَالْعِبَادَةُ فِي زَمَنِ الْغَفْلَةِ لَهَا فَضِيلَةٌ وَمَزِيَّةٌ، فَفِيهَا يَتَحَقَّقُ الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ؛ لِأَنَّهَا أَخْفَى وَأَبْعَدُ عَنِ الرِّيَاءِ، لِذَا كَانَ “أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الْآخِرِ”(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ”(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَالْهَرْجُ هُنَا: الْفِتْنَةُ وَاخْتِلَاطُ الْأُمُورِ، يَقُولُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي “التَّبْصِرَةِ”: “وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَوْقَاتَ الَّتِي يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهَا مُعَظَّمَةُ الْقَدْرِ؛ لِاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْعَادَاتِ وَالشَّهَوَاتِ”.
وَمِنْ فَضَائِلِ هَذَا الشَّهْرِ مَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ”(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، فَلْنُطَهِّرْ قُلُوبَنَا إِذًا مِنَ الْحِقْدِ وَالرِّيَاءِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْعَدَاوَاتِ؛ لَعَلَّنَا نَكُونُ مِمَّنْ يُغْفَرُ لَهُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
لَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرِيصًا عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الصِّيَامِ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ حَتَّى ظَنَّتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ، فَقَدْ قَالَتْ: “مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ”(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
وَأَمَّا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ فَذَكَرَتْ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُفْطِرُ بَعْضَ الْأَيَّامِ الْقَلَائِلِ مِنْهُ، قَائِلَةً: “وَلَمْ أَرَهُ صَائِمًا مَنْ شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ مِنْ شَعْبَانَ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَأَمَّا عَنْ أَسْبَابِ إِكْثَارِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الصِّيَامِ فِي شَعْبَانَ فَهِيَ عَدِيدَةٌ، لَكِنَّهُ صَرَّحَ بِسَبَبَيْنِ مِنْهَا عِنْدَمَا سَأَلَهُ أُسَامَةُ: لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟! فَقَالَ: “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَالسَّبَبُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَعْمَالَ تُرْفَعُ إِلَى السَّمَاءِ فِيهِ، وَالسَّبَبُ الثَّانِي: أَنَّهُ وَقْتُ غَفْلَةٍ.
عِبَادَ اللَّهِ:
لَقَدْ قَدَّرَ اللَّهُ -تَعَالَى- وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ شَهْرُ شَعْبَانَ مَحَلًّا لِوُقُوعِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْدَاثِ الضِّخَامِ، وَالَّتِي كَانَ مِنْهَا تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ: فَمَعَ أَنَّ تَوْقِيتَ تَحْوِيلِهَا مَحَلُّ خِلَافٍ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا أَنَّ عَدَدًا مِنْهُمْ قَالَ بِأَنَّ الْقِبْلَةَ حُوِّلَتْ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ إِلَى الْكَعْبَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، بَعْدَ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا صَلَّاهَا الْمُسْلِمُونَ تُجَاهَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَفِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقَعَتْ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ، فَقَدْ أَغَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- “عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ -أَيْ: غَافِلُونَ، وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَّةَ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَفِي شَعْبَانَ (12هـ) وَقَعَتْ مَعْرَكَةُ “الْخَنَافِسِ”، بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِقِيَادَةِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ، وَبَيْنَ نَصَارَى الْعَرَبِ أَثْنَاءَ فَتْحِ الْعِرَاقِ، وَانْتَهَتْ بِانْتِصَارِ الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي شَعْبَانَ مِنْ نَفْسِ السَّنَةِ وَقَعَتْ مَعْرَكَةُ “الْحُصَيْدِ”، وَكَانَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِقِيَادَةِ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو، وَبَيْنَ الْفُرْسِ بِقِيَادَةِ رُوزْبَهْ، وَكَانَ النَّصْرُ فِيهَا كَذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية :
الحمد لله ولي الصالحين، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له الإله الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، إمام الأنبياء والمرسلين، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

عِبَادَ اللَّهِ:
لَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ يَحْرِصُونَ عَلَى اغْتِنَامِ شَهْرِ شَعْبَانَ بِالطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ يُدْرِكُونَ أَنَّ: “مَنْ لَا شَعْبَانَ لَهُ، لَا رَمَضَانَ لَهُ”، حَتَّى لَقَدْ قَالَ قَائِلُهُمْ: “مَنْ لَمْ يَزْرَعْ فِي رَجَبٍ، وَلَمْ يَسْقِ فِي شَعْبَانَ، فَكَيْفَ يُرِيدُ أَنْ يَحْصُدَ فِي رَمَضَانَ؟!”.
وَكَمَا أَنَّهُمْ يُكْثِرُونَ مِنَ الصِّيَامِ فِي شَعْبَانَ اقْتِدَاءً؛ لِأَنَّ رَمَضَانَ شَهْرُ الصِّيَامِ، فَهُمْ كَذَلِكَ يُكْثِرُونَ فِيهِ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ رَمَضَانَ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، فَتَسْمَعُ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ يَنْقُلُ قَائِلًا: “كَانَ يُقَالُ: شَهْرُ شَعْبَانَ شَهْرُ الْقُرَّاءِ”.
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ إِذَا دَخَلَ شَعْبَانُ أَغْلَقَ حَانُوتَهُ وَتَفَرَّغَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
وَيَقُولُ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ: “قَالَ شَعْبَانُ: يَا رَبِّ، جَعَلْتَنِي بَيْنَ شَهْرَيْنِ عَظِيمَيْنِ فَمَا لِي؟ قَالَ: جَعَلْتُ فِيكَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنَ”
وَهَذِهِ لُؤْلُؤَةُ مَوْلَاةُ عَمَّارٍ تَقُولُ: “كَانَ عَمَّارٌ يَتَهَيَّأُ لِصَوْمِ شَعْبَانَ كَمَا يَتَهَيَّأُ لِصَوْمِ رَمَضَانَ”.
فَيَا مَنْ تَبْغِي الْقُرْبَ مِنْ رَبِّكَ، وَتَتَمَنَّى جَمْعَ الْحَسَنَاتِ، وَتَرْجُو أَنْ تَكُونَ مُوَفَّقًا فِي رَمَضَانَ: عَلَيْكَ بِاغْتِنَامِ شَعْبَانَ تَفُزْ بِهِ وَبِرَمَضَانَ، وَلْتَصْنَعْ كَالَّذِي خَاطَبَ نَفْسَهُ قَائِلًا لَهَا:

مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتِ فِيهِ *** وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ الْمُبَارَكْ

فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الْأَوْقَاتَ جَهْلًا *** بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَوَارَكْ

فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتُ قَسْرًا *** وَيُخْلِي الْمَوْتُ كُرْهًا مِنْكَ دَارَكْ.

فَاللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَعْبَانَ وَبَلِّغْنَا رَمَضَانَ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

قد يعجبك ايضا