محمـد الثـريـــا يكتب.. *الشقيقة والأزمة باليمن.. غياب رؤية حقيقي ام سؤ تقدير وحسب؟*

 

 

صحيفة ((عدن الخبر)) مقالات

 

 

 

في الحديث عن تفسير دقيق وواضح لمسار الازمة الراهنة باليمن ولربما حتى محاولة جادة تبذل لفهم الكيفية والتعاطي لقيادة التحالف مع اطراف الصراع اليمني طيلة الاعوام الماضية فانه لا حاجة لأن اخبرك سلفا بحجم الذهول والدهشة ومقدار التعجب والغضب بل والممل الذي سيصيبك قطعا وانت تجدد محاولات الفهم والتساؤل تلك ..
ساحاول تبسيط المقصد هنا في قصة واقعية جسدت اشكالية تعاطي عددا من الاصدقاء مع صديقهم الأمي علي وهي قصة تشبه الى حد كبير قصة تعاطي التحالف مع الازمة اليمنية واطرافها المحلية..

علي شاب متحمس جدا لكنه للأسف لايجيد القراءة ولا الكتابة ومع ذلك ابى الا ان يشارك اصدقاءه مراسلات ودردشات برنامج الواتس آب الذي أثارت احدايثهم الصاخبة عنه كل صباح فضول وحماس علي والذي لجأ على اثرها الى شراء هاتف حديث يحوي برنامج التواصل ذاك .وليبدأ التجربة تلك دون تردد مستندا في خوضها على حفظه الصوري لثلاث كلمات فقط هي حصيلة سنوات عمره ولايجيد كتابة غيرها ابدا..

في المساء شرع علي فعلا باستخدام تطبيق الواتس آب باعثا اول رسالة له والتي حملت كلمة : هلا
تفاعل الصديق سريعا مع علي وارسل: مرحبا علي؛ كيف وجدت التطبيق؟
اجاب علي : علي .
استغرب الصديق من اجابة علي. لكن علي لم يأبه موجها رسالة اخرى لصديق اخر : الووووو
والذي بدوره استجاب قائلا : منور ياعلي، أخبارك؟
رد علي : علي ..
تفاجئ الاخر ايضا من اجابة علي. لكن علي لازال يعيش اللحظة ولم يعر الامر اهتماما بل تجاهل ذلك موجها برسالة اخرى الى صديق جديد وكالعادة كانت : هلا
كسابقيه رد الصديق مرحبا: حياك علي،كيف الاحوال؟
اجاب علي: علي .
اندهش الصديق : اسألك ياعلي عن احوالك وليس اسمك !!
فيرد علي : الووووو
وهكذا امضى عليا ليلته في مراسلة جميع اصدقاءه الاخرين وتكرار كلماته الثلاث في رسائله لهم قبل ان يكتشف متاخرا انه لم يستفد شيئا طيلة ساعات الليل سوى مزيدا من السهر واضاعة الوقت خلف اعادة توجيهه رسائل الثلاث كلمات التي لايحفظ غيرها دون اي تغير يذكر.
ذهب زيغ الحماسة والاندفاع عن علي بعد ان ادرك حقا سؤ تقديره لمعايير التجربة هذه وكذا لمتطلبات التعاطي السليم مع عناصرها” اصدقاء التواصل”.. انسحب علي بعدها بهدؤ على امل اعادة ترتيب وضعه وتطوير قدراته وفهمه قبل العودة مجددا.

في الواقع هي ليست التجربة الاولى للسعودية في اليمن عبر تدخلها في ازمات وصراعات الجار التاريخي لها منذ عقود خلت وحتى اليوم..

لكن الامر المختلف هنا واذا ما نظرنا جيدا الى تقلبات المشهد وتطورات الازمة الراهنة منذ بداية نشوبها وحتى اليوم فاننا سنلاحظ بوضوح ان فلسفة الصراع نفسها قد تغيرت جذريا.فالازمة التي حملت يومها عنوانا تحدث عن واقعة انقلاب مشين وقيام حرب وتحالف عسكري بهدف استعادة الشرعية اليمنية باتت اليوم اكثر تفرعا وتحمل عناوين عدة تؤكد في معظمها استحالة الحديث عن عودة الشرعية ذاتها الى صنعاء فضلا عن اعادة انتاج مشروعها السياسي .
لكن وامام هذا الواقع والمعطى الجديد بعين فاحصة! لماذا قد نلمس هنا تلكؤ ومضضا مستغربا تبديه رباعية الازمة وخصوصا المملكة تجاه اقرارها بواقعية مشهد اليوم واعتماد اطرافه المؤثرة كحقائق لايمكن تجاوزها؟

ان الاصرار السعودي في المضي بكلمات “علي” الثلاث في التعامل مع رسائل اطراف الصراع بالداخل ليس خيارا جيدا بالمطلق،ولا حاجة هنا للتأكيد بانه لن يقود الا الى نتائج عكسية وارتدادات سلبية ..

لا شك ان الشقيقة الكبرى تبحث هنا عن تحقيق مصالحها سواء في الشمال او الجنوب وهذا بالمناسبة هو المسار الثابت لسياسة السعودية في ادارتها لملف الصراع اليمني فيما ستبدو بقية عناوين الازمة التي نسمع عنها اليوم ليست سوى تفاصيل متغيرة يتعامل معها القادة السعوديون كوسائل محلية وادوات تنفيذ مؤقتة في رحلة بلوغ الغاية الاهم والهدف الثابت لدى المملكة بيدا ان عدم وضعها لاجابات واضحة وصحيحة امام جملة المشاريع السياسية الجاري تأصيلها محليا هو ماخلف العديد من التساؤلات حول ماهية الرؤية وحقيقة الدور السعودي تجاه الازمة باليمن..

ولاغرابة بان جعل الجميع في الداخل يعيش حالة من الذهول والفوران السياسي الى جانب التزامه سياسة ضبط النفس في سبيل التعاطي المرن مع سياسات المملكة على امل اثبات قدرات معينة واظهار امكانات اقوى لصالح التحول الى لاعب اساسي في مواجهات التحديات القادمة،لكن بالمقابل هذا لايعني ايضا ان الجميع يتساوى في مشروعية هدفه السياسي وصدقية تعامله مع قيادة المملكة وهو امر سيدفعها بالضرورة الى اعادة ضبط بوصلة التعاطي الجاد مع كل مشروع سياسي على حدة.
فهل يمتلك الاشقاء تلك الرؤية والاضطلاع الكامل بمكنونات الصراع واطرافه؟وهل حقا لديهم المعرفة والاسس اللازمة للتعامل بحرفية مع مشاريع الداخل على اختلاف توجهاتها؟ام ان دور المملكة في ذلك لايزال هامشيا جدا وغير ذي اهمية طالما وان المصلحة الاعلى خاصتها محفوظة وان اطراف الداخل ليست بذات المستوى من الحضور والندية السياسية التي قد تغير موازين اللعبة في اي لحظة كانت؟

قد تلعب السعودية باوراق مكشوفة وقد تستخدم ايضا ورقتي المال والايدولوجيا لفترة معينة تحقق من خلالها تجاوبا وانصياعا كاملا من اطراف الداخل لكن رهانها الحقيقي في نجاح ذلك المسعى واستمراره طويلا يقوم على مدى نجاعة افراغها للثابت السياسي الخاص باطراف الصراع وحضورها الفاعل..
فسياسات نقل المعارك وتدوير الازمات تظل نمطا جيدا لتحقيق ذلك الامر ويبدو انها تثمر حسنا في الشمال حيث لاقضية جامعة هناك ولا ثابت سياسي موحد يصطف خلفه الجميع بالشمال ..
عدا ان الامر هذا سيبدو مختلفا في الجنوب وغالبا سيتاكد عدم جدواه في نهاية المطاف لسبب واضح وهو اختلاف القضية والمشروع بين الشطرين المتناقضين سياسيا وسيكولوجيا.

ان سؤ التقدير السعودي والخطأ الماثل هنا يتجسد في محاولة المملكة لتقطيع المطلب الشعبي وتعويم المشروع السياسي الجنوبي فيما تسعى جاهدة عبثا عن توحيد رؤى ومشاريع الشمال المتباين ..

تجدر الاشارة الى ان ماكنة القرارات الاممية وطابعة الاتفاقات والمبادرات ليست اكثر من مجرد جهود شكلية تهدف الى صرف النظر عن غايات اخرى من وراء اطالة امد الحرب والازمة هذه.فكلما خرجت البلد من منعطف صنعوا لها اخر حتى صارت رحى الحرب المستعرة فيها لا تصدر سوى الاتفاقات الرخوة والبيانات الجوفاء.

قيادة التحالف وتحديدا السعودية ليست بحاجة بؤر اضطراب اخرى محادية لها ولا هي بصدد صنع فشل اخر بعد فشلها في العراق وسوريا وليبيا لهذا نظن ان الاشقاء في المملكة بحاجة مآسة الى مراجعة مواقفهم واعادة ترتيب اوراق اللعبة مجددا وفقا لمعايير ومفاهيم ادق في وصف جوهر الازمة والصراع اليمني بكافة ابعاده وخلفياته وفيماعدا ذلك سيكون معناه بالفعل ان المملكة لاشك ذاهبة الى مقبرة الحيتان وانها تحولت حقا الى ضحية سياسات وحسابات خاطئة امعنت كثيرا في تكرارها..
ـ ان تخسر حلفائك الاوفياء لمجرد شكوك ودعاوى مقرضة فهذا يعني فعلا انك اصبحت عدوك نفسك. فمتى يتوقف الشقيق الاكبر عن البصق على لحيته في تعاطيه مع حلفائه من اصحاب الهدف والرؤية الواضحة ويسمي الاشياء بمسمياته الحقيقية؟؟

ـ محمد الثريا ـ

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا